الفصل الأول

111 4 0
                                    

أمطرت السماء بغزارة تلك الليلة وكأنها تشاطر خليلتها الأحزان، فكم من قلوبٍ بكت أضعاف بكاء السحاب!، وقفت فتاة حسناء تراقب الغيث بعين دامعة وقلب متألم بينما أمسكت بيدها بعض الأوراق التي كانت بمثابة القشة التي ستنقذ علاقتها وزوجها من الغرق!، تنهدت حينما تناهى إلى مسامعها صوت هاتفها وقد أعلن عن ورود رسالة فأمسكته مسرعة لعل يتأينها منه خبر فقد أتم اليوم ثلاثة أيام قد هجرها بهم لشجار أحمق!، قرأت الرسالة التي كانت تقول أن هاتفه ماعاد مغلقًا والآن يمكنها الإتصال به فلم تنتظر كثيرًا حتى عاودت الإتصال للمرة التي تجهل عددها، رنين طويل كاد أن يقطع أملها بالإجابة لكنه في النهاية أجاب فتنفست الصعداء ثم قالت على الفور :

-انت فين يا ضياء؟

وكعادته أجاب سؤالها الهادئ بنبرة حادة غاضبة وقال :

-هو في ايه يايُسر نازلة رن رن هو انتي مش بتزهقي؟

شددت في إمساك تلك الأوراق في يدها حتى تحاول كبح لجام غضبها فقالت بهدوء جاهدت أن تتحدث به :

-هبقي ازهق لما نبقى عيال صغيرة مرتبطين ببعض وانت مش بترد عليا، إنما أنا مراتك يا ضياء وطريقتك دي مش بتحل اي مشكلة بينا!
-مراتي اه، ده كان يوم أسود يوم ما اتجوزتك

زفرت يُسر بضيق فما عادت تؤلمها كلماته ولا تذكر انها احبته يومًا بل هو من صرّح عن عشقه لها وكم اقحم رأسه في المشكلات فقط للوصول إليها والآن بات يلعن يومًا حلم به ذات يوم!، التزمت الصمت فما عدت تدرك ما يُقال!، تابع هو حديثه قائلًا :

-انتي عايزة ايه يا يُسر؟
-عايزاك ترجع البيت عشان لازم نتكلم، المواضيع عمرها ما تتحل بالشكل ده يا ضياء
-طيب انا جاي
-وبعدين عايزة اقولك حاجة تانية، انا حـ..

وقبل أن تتم حديثها قاطعها هو قائلًا :

-مش قولتلك جاي؟، كفاية رغي كتير بقى لما اجي نبقى نتكلم يلا سلام

ثم رحل صوته فأدركت أنه قام بإغلاق الخط فإستشاطت غضبًا ثم ألقت بالأوراق التي بيدها بعنف وارتمت على الاريكة تجاهد أن لا تبكي!، كانت تظن أن بزواجها منه ستحصل على كل ما حلمت به يومًا لكنها وجدت أسوأ كوابيسها تتحقق في صحبته!، فرت دمعاتها تباعًا رغمًا عنها، في البارحة كانت تستعد لطلب الانفصال عنه حين يعود إليها ولكن الآن باتت مشتتة وهي لا تدري ماذا تفعل بعدما علمت بأن صغيرًا له ينمو بين احشائها!، كفكفت دموعها ونهضت عن الاريكة وقررت أن تحاول للمرة الأخيرة لإصلاح علاقتهما، نهضت وابدلت ثيابها وتعطرت وأعدت عشاء لطيف ثم اوقدت الشموع وجلست تنتظره على أحد مقاعد طاولة الطعام، وضعت رأسها على الطاولة وهي تتأمل نيران الشمعة المتراقصة وكم شعرت بأنها تشبه تلك الشمعة، تحترق لأجل أن تنير عتمة الآخرين وفي النهاية بكل راحة بال عندما لا يريدون خدمتها يطفئون وهجها فتجلس محترقة وحدها والظلام يحيطها!، فرت دمعة من عينيها فمسحتها سريعًا خوفًا من أن تفسد كُحل عينيها، تأملت ساعة الحائط فكانت عقاربها تدق العاشرة مساءًا فتنهدت يُسر ثم اسدلت جفونها لتريحها قليلًا ولا تدري كيف غفت حينها!، استيقظت على صوت رنين هاتفها ففتحت عيناها بفزع ثم نظرت إلى ساعة الحائط مجددًا فوجدت عقاربها تشير إلى الخامسة فجرًا وقد احترقت شمعتها حتى ما بقى منها شيء!، نهضت يُسر من مجلسها لتحضر هاتفها الذي لا يتوقف عن الرنين، قرأت اسم المتصل والذي كان ضياء لذلك أجابت قائلًة بنفاذ صبر وكأن صبرها قد احترق تمامًا مع الشمعة :

خيوط القدرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن