اللقاء بإمام الزمان
هذه الواقعة ذكرها أحد كبار المراجع . وقد رواها عنه رجل ثقة .
قال : حكى لى أحد علماء طهران حادثة جرت له .. على هذا النحو :طرق باب دارنا يوماً رجل قد وخطه الشيب .. قائلاً لي ـ و اسم هذا الرجل الشيخ حسن : أريد أن أدرس العلوم والمعارف التى تدرس في الحوزة العلمية . و ينبغي أن تدرّسنى في كتاب ( جامع المقدمات ) . (۱)
أما أنا فقد كان لي من كثرة الأعمال ما يشغلنى عن تدريس هذا الرجل . ثمّ أنّ التدريس في كتاب المبتدئين هذا لا يناسب شأنى . ومع هذا كله وجدتني أجيبه إلى ما أراد .. ... و ابتدأنا درسنا فعلاً. بمرور الأيام ألفتُ الشيخ حسن هذا و انبسطت اليه ، حتى غدا من الخواص ... فكان يقضى أكثر أوقاته . بمرور
و حدث مرّة أن كان لي شغل قد تعوّق انجازه في احدى دوائر الدولة أيام الحكم الملكي في ايران. فاقترح على أحدهم أن أعطيه مبلغاً من المال في مقابل تعهده بانجاز هذا الشغل . وكنت على وشك أن أوافق على هذا الاقتراح عندما قال لى الشيخ حسن : ليس فى وسع هذا الشخص أن يحقق لك ما أردت . ان هذا الشغل مما لا يمكن أن يتحقق أصلاً .
في حينها لم أدرك ما قصد الشيخ حسن . و قد بات واضحاً فيما بعد ـ على كثرة المساعى التي بذلتها في هذا الصدد ـ أن الشغل لم ينجز .
في أحد الأيام .. كنت ألقى درساً عليه ، و لم أكن قد حضرت الدرس قبل التدريس . فقال لى : لم تقرأ الدرس البارحة .. اذ أنك حديث عهد بزواج جديد ، و قد أرادت زوجتك الجديدة ألا تنصرف عنها الى المطالعة حتى تتفرّغ لها أكثر ، فقامت باخفاء الكتاب في المكان الفلاني . و لما أردت أن تطالع الدرس البارحة ، بحثت عن الكتاب فلم تجده ! يقول هذا العالم الطهراني : و لما قصدت المكان الذي ذكره الشيخ حسن وجدت الكتاب .
ثم سألت زوجتى الجديدة فأقرت أنها قد جعلته نفس الموضع الذي دلّني عليه صاحبي الشيخ . وسألت الشيخ : كيف عرفت ذلك ؟ فقال : لى قضية لا أبوح بها لأحد ، لكنّى أؤثرك بها وحدك ؛ لأنك أستاذى : كنت أعيش في احدى القرى التابعة لبلدة مشهد - و أبي كان عالم القرية .
و قبل عاماً توفى أبى .. فاجتمع رأى أهل القرية أن يجعلوا عمامة أبي على رأسه أخلفه . و ما زالوا يصرّون علي حتى صيّرونى عالمهم . أيامها كنتُ شاباً تجنح نفسى الى هواها و أنانيتها ، و لم تطوّع لى أن أقول : لا أعلم اذا سئلت عمّا لا أعلم . و هكذا سلخت مدة عشرين . عاماً بلاعلم ولا معرفة بين هؤلاء الناس .. أحكى لهم في العقائد من عندى ، وا و أفتيهم من تلقاء نفسى فى مسائل الحلال والحرام و طباق ما يلائم ذوقي . و لعلى قد حكيت لهم - ولعشرات المرات ـ قضايا غير صحيحة و لا واقعيّة . وعلاوة على هذا .. كنت أقبض سهم الامام (عليه السلام) من أموال عشرين فيهم .الخمس ، و اتصرف به - بلا اذن شرعی . و ما زلت على هذه السيرة .. حتى كان يوم كنت أنظر فيه الى وجهي في المرآة .
فعلق بصري بشيئ كان في صورتي ، جعلنى أضطرب من الداخل . ان شيباً قد و خط شعر لحيتي ، فابيض شيئ منه . عندها أدركت أن نُذر الشيخوخة قد لاحت في وجهى . وشعرت بالنفس اللوامة تخزني و تعنفني ، وبالضمير يُحاكمني : ترى .. الى متى و أنت تقود هؤلاء الناس بالحلية والخداع و بلا معرفة و لا علم ؟! عندها .. ما كان منى الأقعدت على الأرض ، وقد تسلّط على بكاء مر و نحيب ... حتى اذا حان وقت المساء .. مضيت الى المسجد ، فصعدت المنبر ، و اعترفت للناس بحقيقة أمري.
قلت لهم : أني كنت أفتيكم فى كثير من المسائل بدون علم ، و أن جل ما عملتموه من اعمال دينية أعمال باطلة .. و لهذا فانّي أعتذر اليكم و أطلب العفو منكم .و ظنّ أهل القرية هؤلاء أني أقول هذا الكلام لأكسر غلواء النفس . و لكنهم اذ رأوني جاداً في كلامي جداً لا مجال . ... ابتدروني سراعاً ، و أخذوا ينهالون علي ضرباً و لكماً حتى أخرجوني من القرية .
و عافتني زوجتي .. كما هجرني أبنائي ؛ لأنى أمسيت مصدر عار لهم ، فاستنكفوا من الانتساب الي .
عندها يمّمت وجهى نحو طهران ، أقطع المسافة وحدى مشياً على الأقدام .(٢)
معه للتواضع هائما كنت مضجراً في البرية العريضة بلا أنيس . وقد يمر بي اليوم واليومان لا أذوق ماء و لا غذاء - و ما معي نقود .. حتى وافيت في نهاية الأمر الى مشارف طهران . كنت قد ضقت ذرعاً لما اشتمل علي من الغم و لما أكابده من عسر و بؤس .عندها جارت الى الله (تعالى) أستجير .
قلت : ربي .. اما أن تأخذنى من هذه الدنيا ، و امّا أن تفرج عنّي .
انما فعلت هذا في سبيلك .. فخذ بيدي، واجعلني من انصارك، واعف عن جرمي و جنايتي !و اذ أنا كذلك .. و اذا بي أرى سيّداً ذا هيبة يمشى الى جانبي في البرية ، فأدهشني مرآه في البداية : ترى .. كيف ظهر الى جوارى فجأة .
و لا أكتم أن شيئاً من الخوف منه قد خامرني في ذلك الوقت، بيد أني اطمأننت اليه لما ناداني باسمي في غاية الرقة و المؤانسة ، قائلاً لى : لا تحزن ، انّ الله يعفو عنك . و قال كلمات أخرى في هذا المعنى جعلتني كمن انطلق دفعة واحدة من عقال كان يكبله .. و وقر في قلبي أن هذا الرجل قد جاء يعينني
. ثم ان هذا السيد قال لي : تذهب صباح غد الى مدرسة ( الميرزا محمود الوزير ) في طهران ، و تقول لمتولى شؤون المدرسة : الغرفة الفلانية التي فرغت اليوم ينبغى أن تحوّلها الى أسكن فيها . ولسوف يحوّل اليك الغرفة للسكنى . واذهب بعدها الى العالم الفلاني ( الذى هو أنت يا أستاذى ) وقل له يدرّسك ، فلا يقدر ألا يفعل . وخذ هذه النقود ، وعليك بالدرس . وكلّما ضاق صدرك أذكرني آتيك و أتكلم معك . و فعلت ما أوصاني ، فجئت اليك ، فأذنت لى فى الحال أن أستفيد من درسك ، اذ جعلت لي درساً خاصاً . و ما كنتُ ذكرته لك - خلال ارتباطي بك ـ مـن المغيبات.. فأنما هو الذي علمنيه لأخبرك به . قال العالم الطهراني : عندئذ قلت للشيخ - حسن : أيمكن أن تستأذن لي لألقاه ؟ فقال على البساطة : نعم ، فأنا أراه فى أكثر الأوقات ، ولابد أنه سيأذن لك ! في ذلك اليوم ذهب الشيخ حسن .. لكنّه لم يعد و تصرّمت أيام ، ولا ، و لم يحضر الدرس . و بعد أيام جاءنى و قال : تكلّمتُ مع المولى في صدد الاستئذان للقائه .حسن و تجاوزتها لكنه أوصاني أن أقول لك : ( متى ما كسرت نفسك كما فعل الشيخ - مثله سالكاً في طريق الدين .. فاننا نحن نأتى لرؤيتك ) . و أقول لك معتذراً ان الامام ولى العصر ( عليه السّلام ) قال لى ألا أحضر درسك بعد الآن . قال العالم الطهراني : بعدئذ ودّعنى الشيخ حسن وانصرف . و كان ذلك آخر عهدی به .
۱ - جامع المقدّمات من الكتب الأولية التى يدرسها المبتدئون . - ( المترجم ) .
٢ ـ المسافة ما بين مدينة مشهد و مدينة طهران تزيد على ( ۹۰۰) كيلومتر
أنت تقرأ
الكمالات الروحية
Espiritualكتاب (( الكمالات الروحية )) كتابٌ يقرأ بعين القلب ، يروى فيه عدداً من قصص التشرف و الفوز بلقاء إمام زماننا " أرواحنا له الفداء " ، و فيه من المواعظ الأخلاقية الشيء الكثير ، أسألكم طُهر دعائكم