المحاسبة والمراقبةيقول أحد محبي الامام ولى العصر ( عليه السلام ) لا يرتضى ذكر اسمه : التزمت مدة بمراقبة نفسى و محاسبتها ، فكنت أسعى خلال هذه المدة الى ترك المحرمات و الابتعاد عن المكروهات بما أستطيع ، و أسعى كذلك إلى أداء الواجبات في أول وقتها و على الوجه السليم .. و هذا يقال له " المراقبة " . و من جهة أخرى كنت أوقف نفسى ليلياً أمام محكمة الضمير أحاسبها على السلبيات و الايجابيات من أعمالى على نحو دقيق . فاذا كنت عملت سوء استغفر منه و أتلاقى ما يمكن تلافيه قبل النوم . و اذا كنت عملت خيراً شكرت الله (تعالى) على ما وفقني اليه .
كنت أزن أعمالى على وجه الدقة بميزان المراقبة و المحاسبة هذا ، و نظمت يوميات حياتي بموجبه . و لكن صدرت منى في أحد الأيام معصية أدركت عندها أني ما أزال في نقص مربع - من الوجهة المعنوية . و بعبارة أوضح ان هذه المعصية - مع أنها صغيرة كانت تعنى لدى أمراً خطيراً ؛ لأنها ناشئة من خصلة نفسية دنسة . و قد دعاني هذا أن أقصد طبيباً روحياً لمعالجة هذا المرض الروحي. في وقتها كنت مقيماً في طهران، ولا أعرف أحداً أقصده في هذا الشأن، كان مألوف عادتي في مثل هذه الحالة أن يتم وجهي نحو مزار من مزارات أبناء الأئمة ( عليهم السلام) لأستمد النجدة والمعونة من روح النبين الأكرم و أرواح الأئمة الأطهار و أرواح أبنائهم ( عليهم السلام ) .. فألقى عندئذ لديهم ما أبتغى من العلاج الروحي. و تحقيقاً لهذا الغرض ، انطلقت الى مزار السيد عبدالعظيم الحسنى ( عليه السلام) في مدينة الري . بكيت كثيراً في تلك البقعة المباركة .. الى حد أنى رحت أخاطب السيد عبدالعظيم بقولي : من الآن فصاعداً لن أكون مسؤولاً اذا اقترفت معصية بهذا المرض الروحى ، بعد كلّ هذا التوسل و البكاء ! في هذه الأثناء وقع نظرى على سيد رق لحالي .. فدعا لي ، و طلب من الله (تعالى) أن يشفيني مما بي، بأن يدلني على الطبيب الروحي الذي انتفع به .
في تلك اللحظة قرّرت - أعنى : ألقى في روعى - أن أقصد دار عالم في طهران ، كنت أعرفه من قبل . ومع أن هذا العالم لم يكن متضلّعاً في القضايا المعنوية .. الا أنى مضيت الى داره على رجاء أن يمنّ الله (عزوجل) على عن طريقه بالشفاء . و من حسن الطالع أني وجدته بمفرده ، فجلست لديه بعض الوقت . وخلال اللحظات التي كنت فيها الى جانبه تفطن هذا الرجل الشيخ - من ظاهر حالى الى أني أعاني من داء فتاك . ألحي عليّ أن أعلمه بما أنطوى عليه و بما يقلقني و يؤرقني . لكني ما استطعت مفاتحته ؛ لأنه غير قادر على ادراك خطورة مرضى الروحي . و حتى الآن .. لو ذكرت لكم ما كنت أعانيه فى حينها من ذلك المرض ، لربما ضحكتم قائلين : من أجل موضوع هين كهذا كنت تتعذب الى هذه الدرجة ؟! على أي حال .. كان ذلك الداء يرمى أحياناً الى المعصية . ولا أظنكم تقولون ان المعصية لا أهمية لها بالقياس الى رجل سالك الى الله (تعالى) ، يريد كشف حجب نفسه بترك المعاصي و فعل الواجبات . و على أي حال .. أطرقت برأسى و رحت أبكى بصوت خفيض . فقال لى ذلك العالم الكبير : اسمح لى أقرأ لك القرآن ، فلعلك تستريح . هززت رأس علامة الموافقة . فتح المصحف الشريف .. و بدأ يتلو سورة ( الملك ) من أولها . كنت مطرقاً أبكى . و على حين غرة وجدت نفسى فى جوّ لاصلة له أبدأ بالدنيا و المادة و عالم الأجسام . و ما كان ثمة الأصوت تلاوة سورة ( الملك ) .. ما كان يصدر من حنجرة ذلك العالم ، بل كنت أحس أن ذلك الصوت يولّد صدى طنين ينبعث من الجهات الست . لقد كان صوتاً جذاباً أخاذاً يعبر عنه خير تعبير ما نخاطب به الامام بقية الله ( أرواحنا فداه) بهذا البيت الشعري المعروف :
ما أحلى أن يُسمع منك صوت القرآن الأسر الجذاب كما كان كلام الله يُسمع من الشجرة ( في الوادي الأيمن ) أجل ، حينما نسمع القرآن من هذا الوجود المقدّس .. فكأن الله ( تبارك و تعالى ) هو من يتحدّث الينا : ينطق بدواء دائنا ، و يهبنا ( وصفة ، العلاج الروحي لأمراضنا . بيد أن قراءة السورة ما كادت تتم .. حتى وجدتني مرّة أخرى في دار ذلك العالم .. الذي سألني بعدها : أ أقرأ لك أيضاً .. أم اكتفيت ؟ قلت : شكراً ، لقد بلغت المراد و عثرت على دواء الداء . على أثر هذا التزمت بقراءة سورة ( الملك ) - اذ وجدتها العلاج ـ مدة أربعين يوماً ، و ، و نفّذت مضمون (الوصفة » . و بعد مدة وجيزة برئ - ولله الحمد - مرضى الروحى ، و انزاح حجاب من الحجب التى كانت تحول بيني و بين الامام بقية الله
( عليه السّلام ) .
أجل ، إن الذين يهمهم أمر الحقائق ويدركون ان الكمالات المعنوية هي فوق السلامة البدنية .. ليضطربون هكذا و يعانون بسبب داء روحى . إنّ غاية ما تؤدى اليه الأمراض الجسدية اذا ترك علاجها هو الرحيل عن هذه الحياة الدنيا .. فيفقد المرء فقط هذه المئة سنة على الأرض اذا كان مقدراً له أن يعيش مئة سنة - كحد أعلى. لكنّ المرء سوف يخسر الحياة الاخروية الخالدة الباقية بكل جمالها و محاسنها - اذا فتكت بروحه الأمراض المعنوية .. و سيكون فى موقف المحاسبة والمؤاخذة من الله
(عزوجل) .
إن أولياء الله (تعالى) ينظرون الى الحياة المعنوية و
الكمالات الروحية - بالقياس الى الصحة البدنية - نظرتهم الىغير المتناهى فى مقابل المحدود الضيق الذي لا تزيد قيمته على الصفر .
أنت تقرأ
الكمالات الروحية
Spiritüelكتاب (( الكمالات الروحية )) كتابٌ يقرأ بعين القلب ، يروى فيه عدداً من قصص التشرف و الفوز بلقاء إمام زماننا " أرواحنا له الفداء " ، و فيه من المواعظ الأخلاقية الشيء الكثير ، أسألكم طُهر دعائكم