خشية الله
قرأ أحد طلاب الحوزة العلمية في قم كتاب ( معراج الروح) .. ثم ذكر لى أنه عمل فى شبيبته ما كنت عملته أنا في أوان شبةيبتي.. لكنه كان يبحث عن رفيق له نظير المرحوم الحاج ملاً
آقاجان ليأخذ بيده. وكان في ظنّ هذا الطالب أن في امكاني - بعد أن تصرّم على خمس وعشرون سنة في هذا السبيل - أن أعينه و أساعده . ثم اني وافقت فعلاً على اعانته .. لا لأني أجد نفسي مؤهلاً
لهذه المهمة ، بل لأني لم أجد مناصاً . و لعله قد وجب عليّ - أن أعينه بأي سبيل .. فاتخذته صديقاً ، و تعاهدنا أن يذكر أحدنا الآخر بما يرى فيه من النقائص والعيوب. وهذا يعنى أن يدلني على أخطائي ، و أن أدله على ما يعمل من خطأ . دمنا زماناً على هذا العهد .. حتى بلغت علاقتنا الى مستوى المحبة الصميمية التامة . و جاءني في أحد الأيام .. و قال : أجد في نفسي منذ أيام حالة خوف وقلق ازاء المستقبل المجهول نغصت عليّ
حياتي ، و لا أدرى ماذا أفعل ؟ قلت له : أتراك تحب الله ؟فقال : ان حبي لله لم تبق لي معه قدرة على التحمّل والصبر . غالباً ما أقضى ليلي الى الصباح في بكاء و في مناجاة لله .. حتى دخلني شيئ من الخوف و الاضطراب، اذ صرت أخاف أن أعمل ما ينقص من محبة حبيبي - الهي العزيز - لي. وكلما زادت معرفتی و محبتى .. زاد هذا الخوف من الارتباط بالله (تعالى).
قلت له : هذا الخوف المنبعث من محبة الله و معرفته انما هو من صفات أولياء الله ، و هو من الكمالات الروحية ، و عليك أن تقدر قدر هذا الخوف و لا يزعجتك وجوده.
قال : صحیح أني لم أنزعج منه كثيراً ، ولكن خوفي ليس من هذا وحده ، بل خوفى أن أعيش في الدنيا فقيراً معدماً أمد يدى الى الناس .. أن أمسي مريضاً تعذبني الآلام . أخاف ألا أكون ممن ينظر اليهم الامام بقية الله ( أرواحنا فداه) نظر لطف ... و أن أكون على المدى في حجاب . أخشى أن أقع - في عالم البرزخ و القيامة -تحت سلطان الغضب الالهي . قلت : اذا كان كذلك .. فانّ هذا الخوف هو من الأمراض الروحية التي لابد أن تعالج
و وقفاً لعهدنا السابق .. كان على أن أفعل ما يمكن لتصحيح هذا النقص الروحي.
أى أن أعينه ليكون فى حالة بين الخوف والرجاء . وهي ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن ، و أن ينجو من هذا الرعب الطاغي المستبد . و في منتصف احدى الليالى توسلت بالامام بقيّة الله ( روحى و أرواح العالمين له الفداء ) أن يجعل في كلامي مع هذا الصديق أثراً يفرج كربته . و في الصباح .. جاءني صاحبي ، فرأيت التأثر و الأذى في سيمائه ، مما يشي بأنه قضى ليلته مسهداً ـ من كربته - حتى الصباح . قلت له : لم تخاف المستقبل ؟! أليس الله (تعالى) يقول : « و من يتوكل على الله فهو حسبه ، ؟ فلم اذن لا تتخذ الهك الحبيب الذى له القدرة المطلقة و السلطان الشامل. .. وكيلاً لك فيما ينتابك من معضلات ؟ أيجوز ألا يفى (سبحانه و تعالى) بما وعد .. فلا يكون الكافي لك في شدّتك ؟ أترى غيره (جل جلاله ) وكيلاً أقدر منه و أعظم .. هو الذي بيده مقاليد الأمور ؟ أريد أن أسألك : اذا كان رئيس جمهورية مثلاً يقول لك كل يوم : ( اجعلني وكيلاً لك في أعمالك أنجزها لك على خير وجه ) و أنت تعلم أنه صادق فيما يقول .. فهل يبقى في نفسك خوف من المستقبل ، و ذعر من أن لا تنجز أعمالك على نحو صحيح ؟! لابد أن الخوف - والحالة هذه - سيزايلك .. مع أن رئيس الجمهورية هذا ربما يخطئ في أداء أعمالك ، فلا يفى لك بكل ما وعد . أما فيما يتصل بالله (عز وجل) ... فانّ احتمال الخطأ في حقه (تعالى) و القول بمحدودية قدرته .. يعنى صريح الكفر و مادام ربنا سبحانه و تعالى ) منزّهاً عن الوهم و مبرء من الحدود والقيود بأي تصوّر من التصورات .. فلماذا ـ اذن ـ تظل في قلق على مستقبلك ، و تقع فريسة بين أنياب الخوف ؟! عندها قال لي : لقد تركت كلماتك فى داخلى أثراً عجيباً . و لكني أخاف هذهالمرة أن يوسوس الى الشيطان ، فأضل عن حالة الطمأنينة هذه . فهل يمكن أن تعلمنى الآن عملاً أوديه اذا حدث لى مثل هذا .. فأكون في منجي من وساوس الشيطان ؟
قلت : كلما وجدت هذه الوسوسة .. فتوسل أولاً بالامام صاحب الأمر ( علیه السّلام ) ، و استنجد به ليدفع عنك الوسوسة . ثمّ عليك أن تفكر بما سردته عليك من موضوعات مستمدة من القرآن و العقل ؛ فانّ التفكّر يعدل عبادة سبعين سنة . و ما لم تصل الى حالة الطمأنينة .. فعليك أن تنفض عنك حديث النفس ، وحاول ألاً تترك وسوسة الشيطان في نفسك لحظة واحدة. ومعنى هذا أنك اذا كنت ماشياً في الطريق لأداء عمل لك عاجل ، و شعرت بغتة بهذه الوسوسة في داخلك .. فعليك أن تعرض فوراً عن عملك هذا الذى خرجت اليه كائناً ما يكون ـ و أن تعمل بما وصفته لك من التوسل بالامام (عليه السّلام) للخلاص من هذه الحالة . و الا .. فمن الممكن ـ لو دامت الحالة في داخلك لحظات أخرى ـ أن توقعك . و لن تستطيع عندها أن تدفعها ـ و لو بجهد جهيد .
ولقد تمكن بعدئذ هذا الصديق العزيز - و الله (تعالى) المنة ـ أن يسعى سعياً في غاية الجد للخلاص من الوساوس . و قال هو عن نفسه : كان خيراً من النجاة من الوسوسة .. هو ما ظفرت به من حالة التوسل بالامام بقيّة الله (روحی فداه) . فالى جوار ما حظيت به من التجليات المقدسة فى حالات التوسل ، فزت بلذة المناجاة التي غدت ملكة لدى .. وصرت أجد الألطاف المقدّسة للامام على الدوام .
أنت تقرأ
الكمالات الروحية
Spiritualeكتاب (( الكمالات الروحية )) كتابٌ يقرأ بعين القلب ، يروى فيه عدداً من قصص التشرف و الفوز بلقاء إمام زماننا " أرواحنا له الفداء " ، و فيه من المواعظ الأخلاقية الشيء الكثير ، أسألكم طُهر دعائكم