الغل.. والثار للنفسشاب كنت أعرفه عن قرب .. وكنت أعرف أنه من فرط صفائه و طهره - ممن لا ينبغي أن يكون على قلبه حجاب. بيد أنه كان يتعذب من داخله لما يحسه من وجود غشاوة ظلمانية ، أى أنه لم يكن في وسعه ادراك الحقائق العليا ، و لم يفز بالحصول على المعنويات .. و من أخصها لقاء محبوبه أمام الزمان ( عليه السلام).
وكان يعنيني أن أعاونه فى ازالة الحجب عن قلبه ، فتوسلت يوماً بشهيد كربلاء
(علي الأكبر نجل الامام أبي عبدالله) عليه السلام وطلبت منه المعونة في رفع حجب هذا الشاب . و أردت بادئ الأمر أن أشخص الداء او الصفة الروحية الرديئة التي حينه في غشاوة . في تلك الليلة رأيت كأنما هو نائم في داخل كلة ، قد خطت عليها عبارة بحروف كبيرة شملت الكلة بتمامها . و هذه العبارة كانت : (الغل و الثأر للنفس) . .
أما هو فلم يكن يرى من وراء كلته أى شيئ من العالم حوله . ناديته باسمه مرة .. و مرات ، لكنه لم يخرج . لقد كان يحسب أن هذه الكلة تصونه من الأخطار المحتملة ، لكنه كان رغم رقة هذا الحجاب - محروماً من كل مزايا العالم الخارجي. لم يكن هذا الشاب يعلم أنه اذا بقي في روح الانسان و لو حجاب واحد .. فكأن صاحبه يعانى من عشرات الحجب . و لم يكن يعلم أن هذا الحجاب ( و لو كان غشاوة رقيقة ) سيحول بين المرء و بين المعانى الروحيّة ، وسوف يفصله عن الارتباط بالحقائق ويجعله مقيماً في ظلمات . و في صبيحة اليوم التالى رأيت هذا الشاب ، فحذرته من صفة (الغل والثار للنفس) .
و لكنه كان يظن - في البدء - أن هذه الصفة تمنع وقوع الظلم عليه من الآخرين.
فالانسان _ قال لا ينبغي_ أن يصفح ويعفو كثيراً، لأن كثرة الصفح تجرئ الناس على الظلم.عندها أخذت أتلو عليه عدداً من آيات القرآن الكريم . ولا أنسى من بينها الآية التاسعة والستين من سورة الفرقان ؛ اذ يقول الله( تبارك و تعالى) : « و عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً ، واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماء. ثم ذكرت له البيت الذي كان يستشهد به الامام أمير المؤمنين على بن أبي طالب
( عليه السلام ) : و لقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ثمة قلت : لا يعنيني ! أي قلت : انه لا يقصدني بهذا السباب تجاوزاً عنه وصفحا و حكيت له كيف نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله ) حين دخل مكة يوم الفتح ذلك الرجل الذي كان ينادى متوعداً مشركي مكة (اليوم يوم الملحمة) . فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله ) : لا ، ولكن قل : اليوم يوم المرحمة.
ثم قلت لهذا الشاب : الثأر للنفس والانتقام لها هو ، في الأساس ، من الصفات الحيوانية .. في مقابل صفة العفو والرحمة اللتين هما من الصفات الانسانية ، بل من الصفات الالهية . وعلى هذا فانك اذا اردت ازالة أحد الحجب فيك ـ و الذى أحسبه آخر حجاب وداء روحى عندك - فعليك أن تتخلص من صفة الغل و الثأر للنفس .. و ان تعامل الناس بالتسامح و الرحمة . و خلال برنامج دام حوالى ثمانين يوماً تحمّل فيه مشقات كبيرة .. استطاع أن ينجو من هذه الظلمة الساكنة في داخله . و لما ظفر بازالة هذا الحجاب و هذا الداء الروحي .. بلغ ما كان يريد من المعنويات ، و منها ارتباطه الروحى بالامام بقية الله ( عليه السّلام ) ، وفاز عندها بالمزيد من الفيوضات الروحية .
أنت تقرأ
الكمالات الروحية
Espiritualكتاب (( الكمالات الروحية )) كتابٌ يقرأ بعين القلب ، يروى فيه عدداً من قصص التشرف و الفوز بلقاء إمام زماننا " أرواحنا له الفداء " ، و فيه من المواعظ الأخلاقية الشيء الكثير ، أسألكم طُهر دعائكم