(1)

8 1 1
                                    

في طليعة إحدى الصباحات المشرقة، و انتشار أشعة الشمس الذهبية على الجبال العالية و التلال الهادئة التي أطلت على البلدة الصغيرة فأصبحت كوادي تجاوره الجبال من جهة و الأخرى شجيرات الغابة، نهض رجل في عقده الرابع كعادته في هذا الوقت و استعد للذهاب إلى عمله بعدما تناول طعام الإفطار مع زوجته، خرج مستنشقاً نسيم الصباح العليل، مقر عمله لم يكن بعيداً بل كانت ورشة نجارته قريبة من الغابة في الضفاف الجنوبي 

" صباح الخير روجر.. كيف يسير العمل عند جارنا العزيز؟ "

تحدث صاحب الورشة التي بجانبه حالما لمَح المقصود الذي أزاح الغطاء من على طاولة العمل

" نبرتك الساخرة هذه، أنت لن تكّف عن إزعاجي "

قهقه الرجل وفي فمه سُنبلة قمح يمتصّها
" أردت الأطمئنان عليك فقط، الجميع يعلم أنَّ صاحب مزرعة ماركو كلفك بعملٍ لا يُطاق.. بصراحة لو كنت مكانك لأشتكيت.. مَن يحسب نفسه ماركو ذاك؟ انه مجرد صاحب اكبر مزرعة في بلدتنا لن يكون شيئاً عندما يذهب إلى العاصمة "

بقي يثرثرُ على رأس روجر الذي انغمس في عمله متجاهلاً إياه، فهو رجل هادئ الطبع رجيح العقل، لم يُمانع العمل الشديد فلقد كان رزقه وقد توصّل إلى صفقة رابحة مع صاحب المزرعة ذو الأخلاق الفجيعة. اجتَث جذوعاً كثيرة وحملها على كتفه الصلب الذي اعتادَ المشقة، رغم قميصه الأبيض البسيط إلا ان عضلات صدره برزت عبره.

" روجر هل أجد لديك بعض المسامير لأستعيرها؟ "

قال أحد العمال حوله، رفع روجر رأسه وقطرات العرق أنزلقت على حدّ فكه، فكر بانه يجب أن يستريح، فرمى المنشار الذي بيده و اعطى الذي طلب مراده، وبعدها ذهب و جلس تحت إحدى الأشجار مستظلاً و مستريحاً. بات يستذكر الأيام الخوالي، و لقطات عشوائية من أيامه المكرّرة، و العمل المتكدس الذي عليه، فهو على صدّد صنع العديد من أدوات الحراثة. أغمض عينيه، و أعاد فتحهما لتنعكس عليهما أوراق الأشجار الذي ينسلُّ الضوء بينهم، و تراقصهم على الرياح الوديعة، حينها، تمنّى لو كان ورقةً في إحدى الأغصان فلا يعمل او يفكّر في شيء. استقام يُكمل ما عليه، وعند مَغيب الأفق، و عودة العمّال لمنازلهم، بَقي هو لوحده يعمل وقتاً إضافياً لكي يَنتهي في ميعاده المحدّد، لم يُسمَع حينها إلا صوت المنشار الذي يلتحم في الخشب و يُبتر، و أنفاسه المضطربة. بعد فترة، قرر اخيراً أنَّ العمل انتهى و قبل أن يجُر خطاه المنهكة نحو المنزل، رأى ظل شاب هزيل يغطس في عتمة الغابة.

" في مثل هذا الوقت؟ "

تسائل، فلا أحد يفكر بالصيد في مثل هذا الوقت المتأخر، النجوم قد برزت فعلاً في السماء الداكنة. تجاهل الأمر و أخذ سراجه المُنير عائداً إلى منزله المتواضع، و خلال الطريق المُترامي الأطراف، تجمد بغتةً في مكانه، حالمَا حطّت عدستيه على الجسد المضطجع أمامه

كورليسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن