ما هو اليوم؟ لا أعلم.. لا أعلم حقاً لكنني اشعر بالبرد، عميقاً في احشائي، وحتى في سائلي المتجمد الأزرق المُرتكز أعلى اصابعي، إن القلق.. القلق يُزاورني كل ليلة منذ مغادرتي لمُستقري الذي لطالما تذوقت فيه الأعسار والشدة، رغم ذلك، لقد قررت الكتابة لكِ يا أختي لعل وَجْس حروفي يصلكِ.
في الحقيقة، أنا.. أنا خائف، تخالجني مشاعر غريبة.. لا اجيد فهمها، كم راودتني كثيراً لو تعلمين! ولكن.. لم انصت لها قبلاً، وحينما فعلت ذُهِلت. شعرت أنَّ دمائي تتصلّب في مكانها و غشيتني رغبة شديدة ترتكزُ في معدتي، طوقتني بالمتعة التي لا اعلم سبَبها، آتية من العدم.الثلج.. إنَّ رقاقات الثلج تغطي الأرض مثل حبّات الفشار، كما في ذلك الوقت، رأيتها تنوح أمامي، و اللون الأحمر يغطيها.. كانت لأول مرّة.. أول مرّة افعلها.. و راودتني تلك المشاعر آنِفاً.
طبقتها على طريقة مُعينة.. طريقة قرأتها خلسة.. رغم تشدّد أبي.. لطالما و خِلال القراءة ينبعث بي من العنفوان ما لا استطيع تدوينه بالكلمات، وكُلَّما تذكرت ما فعلته تداهمني الرغبة وتجعلني اريد الأنتفاضة من سكوني، لكنني لا اريد.. ليس الآن، بات من الصعب التحكم في شهواتي مؤخراً.لم تكن منالاً صعباً، لذلك استطعت فعلها كأول هدفٍ ومبتغى يسقط بين يديّ العاريتين! وما زلت اتذكر حرارة السائل المنزلق على سطح جلدي، و برودة العرق، صعود وهبوط صدري، و رعشتي. لم تعد تقاومني حالما سَلبتَها قدرتها على المشي؛ ضربتها بفأسٍ حاد (سرقته من إحدى العمال القريبين) على قدميها، ومن هنا دخلت في موجة متعاقبة في الصراخ انتهت بفقدانها للوعي، و تلمسّي لدمائها الساخنة.
آه يا أختي
لقد فهمت مشاعر الحب التي كنت اقرأ عنها، هي تجعل قلبك يخفق بقوة حتى انّك لا تستطيع التحكم به، و تجتاحك رغبة في الأبتسام الغير مُبرر صحيح؟لقد ضحكتُ حتى انهمرت الدموع من عيناي، حالما رأيتها تستيقظ ثم تحاول المقاومة بذراعيها الضئيلتين وتزحفُ على الثلج الذي اصطبغ بلون دواخلها، لقد رأيت أفضل تعبيرٍ في حياتي. لم اوقفها، أردت أن أرى ما الذي يستطيع فعله الإنسان الذي يوشك على الفناء، وعميقاً في جوفي.. اردت أن أرى كيف تكون التوسّلات الضعيفة واقعاً.
بجانِب أنني اشعر بالموت حينمَا يدنو مني قريباً، أتعلمين؟ هو بجواري ولا زال، ربما لا يبدو بذلك السوء.. الموت.. قد يبدو فقط كمنجّل ذو أطراف ناعمة يخدش الروح بلطف، لو مُت أنا قبلاً ألم يكُن هذا أفضل؟
كانت هذه رؤيتي.. لكن بعدما جربت المشاعر الجديدة.. و تقمصّت دور المنجل الناعِم تمنيت بل أردتُ الحياةَ اكثر، هل ستحبين الفكرة ايضاً إن جربتيها؟ ما رأيك أن نجرب هذه المشاعر المثيرة سويةً حالمَا نتلاقى؟سأساعدك! بحكم خبرتي بالطبع.
وبعد هذه التجربة الأولى، وجدتني احاول مجدداً بعد أيامٍ قريبة، لم استطع كبح نفسي، كيف يكون الشخص مدمناً على مشاعر لم يجربها إلا لمرة؟ لا اعلم ولكنني هكذا شعرت، وصرتُ ابتلع لعابي الذي لطالما كان مضموماً بالدم، مكتنفاً بأفكاري و هواجسي.
قد بدوت لك دائماً كفتى مطيع يكذب للمرح، و لم تصدقي حديثي يوماً! ولا اعرف إن كُنتِ ستصدقين هذه المخطوطة، لذلك طرأ لي أن أُلصِق بعض الأظافر المقلوعة عليها، او ربما ألون آخر الصفحة بالدماء؛ احتفظ ببعضها في زجاجات صغيرة كذكرى، سأرى ما الذي سأقرّره حالما ابعث لك.
استمريت هكذا، وشعري بدأ يضايقني، لم أعي اندماجي في هذه الهواية الأبداعية (عوضاً عن قراءة الجرائد التي يطبعها أبي) إلا عندما اصبحت خصلاتي تعيقُ رؤيتي، حينما نظرتُ للمرآة وجدتها تصلُ قريباً من أكتافي، قصصتُ قذلتي الطويلة التي تحبينها، حاولت ألا ابالغ في تقصيرها، وهذبتها قليلاً.وبعدها.. آه يا للأسف لم استطِع الأستمتاع كثيراً، بدأت رؤوس مزعجة تبحث عني، وتترصّدني حتى في أشد لحظاتي هدوءاً، سحقاً، ماذا يريدون مني؟ أنا لا اقتل عبثاً، لدي أسبابي، هم لا يفهمون، لا أحد يفهمني، لا أحد.
منذ ذلك الحين لم اشعر إلا بترائب صدري وهي تشتعل بينما استمر هارباً، بدون وجهة منشودة، أملاً في الخلاص من اشباحهم، يريدون تسديد ضربتهم القاضية، لذا لا استطيع أن اكتب لك مِراراً و أرجو تفهمك، سأستمر بالفرار بينما اتسائل كعادتي: ماذا تفعلين الآن؟ أو ماذا ترين؟بالنسبةِ لي في هذا الوقت: أنا رفقة الظلام، الظلام والحلوكة جُل ما أراه، شمعتي الضئيلة تتمايل أمامي بفعل الرياح التي أتت عبر الثقوب المتصدعة في السقف وقد شارفت على الذوبان، يجب علي إنهاء كلماتي والتوقف هنا لهذه الليلة، لكن سوف أخبرك شيئاً قبل ذلك، سوف أذهب غداً إلى منزل عائلة ساديفون، كنت قد أختليت في هذه المنطقة مؤخراً (شعرت بأنها الأكثر أماناً) كورليس. لذا هم يريدون إلقاء التحية ومساعدتي كفردٍ جديد في هذه البلدة، هذا لطف كبير منهم صحيح؟ ولكن، الناس اللطفاء مثلهم هم أكثر من اكره في حياتي، أتعلمين؟ الناس الطيبون ليسوا سوى مدّعين لهذه الصفة بينما هم يخبئون في الأعماق جميع شرور هذا العالم و السواد يطوف بداخلهم، أرواحهم اكثر غدرة لأنهم لا يعترفون بتزعزع قعورهم! لن يوهموني بمظهرهم الخارجي، فالقاع مكشوف!
لكن، لا شيء افعله على أي حال، لذلك سأذهب، أليسَ تصرفي مهذباً؟ أنا فتى نبيل بعد كُل شيء. والآن يا أختي سأضع النقطة في آخر السطر نهايةً لحديثي، سأكتب لك قريباً بعدما اعتاد اكثر على هذه المنطقة، أراكِ ليلة الغد، ربما.
أنت تقرأ
كورليس
Fanfictionفي تلك البلدة الواقعة بين الجبال، يقضي شاب إجازته، إلا انَّه صار يتجول بين مسالكها ليروي فضوله تحت مسمّاه الوظيفي.