انعكست على عدسة نظارته المُنفردة منظر السماء شديدة الزرقة بنور الصباح، و تعاقبت التِلال والسهول عبر النافذة بينما يتأملها بعقلٍ شارد غير مُدرك تماماً لتلك المناظر الخلابة، فصَدح صوت بوق القطار وتصاعد دخانه بتشعب نحو الأعلى و في المدى مِمّا جعله يستعيد وعيه، قبل أن يلتقط حقيبته الصغيرة و يترجّل من مقصورته إلى الخارج.' يتوجب علي فعل ذلك.. حتماً '
عقد حاجبيه بعزيمة وقبض قبضته، ثم سار خارجاً من المحطة إلى مركز عمله في المدينة، استقلّ سيارة أجرة، وبعدما وصل لشركة التحقيق دلف بإندفاع إلى قسم الجنائيات، عبر بين المكاتب المتواضعة حتى وصل إلى مكتب الرئيس بلايك هادسون المبهرج، ثم دفع الباب بِلا أدنى إهتمام للرسّميات و مشط عينيه في المكان ليغشاه اليأس.
' ليس هنا.. يالِـذاك الناسك العاشق.. هل عليّ مجدداً إنهاء أوراقي بنفسي؟ '
' آه فقط لو يمكنني '
تمالك نفسه، ثم جلس على الأريكة التي بجانب مكتب السيد بلايك و التي لم يعتد أن يجلس عليها ولكنه فعل بغير وعي منه، جاء إلى هنا كي يتسلم القضيّة رسمياً بجانب ألكوت، حيث أن البيان اللفظي لا يكفي بالطبع. ومن المحال بالنسبةِ له أن يستمتع في مكان إجازته بينما هنالك جرائم تحدث. لكن، هل يُعقل أن تكون الجريمة الأخيرة متّصلة بسلسلة الجرائم؟ لا يمكن أن يكون مستبعداً حسب التوقيت، لكن ما هو الدليل؟ ما هو الخيط المتّصل؟
يرى المحقق اندرو بيرغهام أن كل شيءٍ في الكون متصل بخيوط رفيعة، الخطوة الصغيرة التي لا تذكر، قد تكون المحرك الأكبر لخطوة عملاقة. يعتقد الكثير من المجرمين أن خيوطهم شفافة، وقطعاً ليس على عينيه التي تقتنص خيوطهم حمراء قرمزية، كدماء طازجة تخرج بإنسيابية من جسدٍ حيّ.' إذاً لابُد وانه هناك '
نفض افكاره المتعاقبة كعناقيد العنب، و انتصب ماضياً إلى قبّة تلة في الضفاف الغربي من جهة المركز، امتازت هذه التلة بالهدوء فلا يعبرها العديد من الناس رغم المنظر الجميل فوقها، لربما هذا عائدٌ من حالة رئيسه المُزرية؟ حسناً، هذا وضّاح كالشمس.توقف عند حجرة ضيّقة من الخشب المُتهالك العفن، والتي شاع عنها أن هنالك شبحٌ حزين لم تنعم روحه بالسكينة يأوي فيها؛ لتفاقم صوت بكاء مرّير وشهقات متألمة من العدم.
" مرحباً أيُّها الناسك.. ألا زلت منهمكاً حزيناً في صومعتك؟ "
انبس اندرو بسخرية، بعدما ادخل رأسه من الفتحة المتهاوية، ثم جلَس مُقرفصاً أمامها.كان يسكنها رجل في عقده الرابع، قد انطوى على نفسه في بقعة قريبة من الزاوية، بينما يرفع هامته المُتقشفِة المحطّمة، مُبحلقاً في السقيفة المتهالكة التي تعبر الغيوم من فوقها، بعيون فارغة ذات لمعةٍ محيطية تُرهقها الصَبابة، و قطرة دمعة حزينة تعلقت على طرف هدَبه، فلقد اشتد به الجوى وضاقت نفسه.
أنت تقرأ
كورليس
Fanfictionفي تلك البلدة الواقعة بين الجبال، يقضي شاب إجازته، إلا انَّه صار يتجول بين مسالكها ليروي فضوله تحت مسمّاه الوظيفي.