(4)

1 1 0
                                    


إنه الصباح مجدداً.. الصباح يا أختي، مكثت أمام هذه النافذة عارية القضبان والأبواب منذ الفجر.. متطلعاً على الشمس وهي تتسلسل من بين الأغصان النحيلة حتى وصلت إلى القمة أو مكانها المُعتاد و اصبحت تسخر من تلك الأغصان بالأسفل، وها أنا سأكون مِثلها و ساسخر من ذلك البالغ الذي يأتي إلى هذه الغابة مطلع كل أسبوع.. أفكر وأفكر وأقول في نفسي! لماذا لا يخاف من الدِببة أو حتى الثعابين؟ هل يدّعي الشجاعة؟

أعتقد أنكِ قد أطلعتي على تلك القصاصة في ذلك اليوم التي وجدتيها تحت خِزانة الأحذية وقمتي بِتوبيخي لماذا قد احتفظ بشيءٍ كهذا " نعم، نعم في البداية سَعت الظنون انه دُب، بسبب الطريقة الأشبه للعشوائية التي كانت بها حال الضحية أندريك ديريان، ولكن عندما أمعَن طبيبنا الشرعي النظر، وجد أن الضحية فارق الحياة بسبب الضغط على الشرايين السباتية مما أدى إلى نقص التروية الدماغية، أو كتعبير أبسط فارق الحياة بالاختناق، لذلك قام الجاني بخنق الضحية بيداه، أما بالنسبة للجروح البالغة وأيضاً انشطار جسد الضحية من أسفل العُنق إلى أسفل البطن والتي كانت ايضاً احدى الشفرات التي قادتنا إلى الحقيقة، لأن التمزق كان مُحكماً ومثالي نوعاً ما، وكذلك فقد فعل الجاني كل هذا بعد ما وافت المنية الضحية لحسن الحظ، ولم نتوصل لسبب واضح إلى هذه اللحظة.. هوس غريب بدببة كودياك أو ما شابه "

الآن أصبحت تتذكرين صحيح؟ هذا النص خصيصاً وبعد ساعات قليلة من الآن، سأواجه ما كان يشعر به بطله، لطالما كنت طفلاً ذو فضولٍ مَتين.. ولا زلت كذلك.

آه يا أختي أهلكني الإنتظار، أنتظرتُ أسبوعاً حتى هذه الفرصة والآن لابُد لي من الإنتظار حتى الرابعة عصراً.. وددت لو أنكِ معي الآن وتشاهدين خليلي في هذه الوحدة الغليظة.. أُراقبه منذ يومين وهو يجلب الذُباب والنمل إلى منزله، ياله من شقي! أضحكني كثيراً لم يكتفي بإرهاق حياة تلك الذبابة فحسب، فقد ذهبَ وجلب نملة تُرافِقها.. أكره وأُحِب العناكب في ذات الوقت!

أكرها لأنها تُحب التعقيد؛ فهي لا تأكل فريستها فوراً بل تتنظر حتى تصبح الفريسة ليِّنة، وأجد الأمر في بالغ السخف لِما لا تمضغها فحسب فهي تمتلك الأنياب! أما في الجهة الأخرى فأحبها لأنها تجعل ضحيتها تصاب بالشلل التام عبر سُمِها، ويالهُ من سِلاحٍ فتاك.. لذلك سأختار جانب الكُره لأنه الأكثر استفزازاً

إنَّ الكآبة تكاد تبتلعني يا أختي.. وكأنني في دوامة حلزونية لا نهائية، كل شيء يبدو ضبابي وأود أنَّ.. أنَّ أروي فضولي فقط، ذلك ما يشعرني بأني حَي حتماً، ولعلك تعرفينني جيداً، وتعرفين أنني لم أكن طفلاً ذو إبتسامةً عريضة، أو ذو مرحاً لا مُتناهي، فقد كنتُ فضولياً لدرجة التقزز وذلك بالتحديد ما جعل تركيزي ينغرس في الأشياء المثيرة للأهتمام، كل ما كنتُ اُجيده، الفضول والملاحظة لتفاصيل المُهلِكة، لذلك اتوسل إليك يا أختي أن تتقبلي رسائلي هذه وتجيبي عليها.. أو لا بأس إن لم تريدي ذلك، الأهم هو أن تفهميني وتدركِ كم أنا وحيد، فهمسك اللطيف يصلني.

أخبرتكِ في الرسالة السابقة عن عائلة ساديفون، أو بالأصح المُتملقين مدّعيين الرأْفة والبشاشة، أرسلوا لي دعوة عشاء بالأمس مع ابنتِهم الكُبرى، وظللتُ اتسائل وأُفكر! كيف للإنسان أن يتحمل إرتداء قناع طوال الوقت؟ ألا يشعر بالكبت؟ أو حتى يشعر بالملل؟ بحسب خِبرتي الشخصية، ومحطات قطار الحياة التي وقفتُ عِندها، فأغلب البشر يبدءون بالتخلص من أقنِعَتُهم الخادِعة بعد اللقاء الثالث تقريباً! ولكن هذه العائلة غريبة أطوار، وأقنعة تنكُرهم ذات نسيجٍ خبيث بحق! ولكنني أشعر بالامتنان تِجاههم

أنا مُتأكد أنكِ تتسألين لماذا أنا شاكراً لهم، أنا ممتناً لأنهم كانوا السبب الرئيسي للقائي بشاب الغابة هذا، فعندما دُعيت لحفلة الشواء خاصتهم، سمعت السيدة ساديفون تتحدث مع ابنتها بشأن دواء ما لأم ذلك الشاب.. بحسب ما سمعت فهي تُعاني من ضرر في الدماغ، وذُكِرَ في حديثهما أن ابن هذه السيدة يأتي كل خميس ويسافر يوم الجمعة، لذلك أخبرَت أمها أنها ستنتظر حتى يوم الجمعة صباحاً وتعطي الشاب الدواء وتقوم بإرشاده وتعلمه بكيفية استخدامه.

لقد كانت هذه هي اللمحة البسيطة التي ساقتني إلى هُنا، فأنا الآن أمكث هُنا في هذا الأسطبل القديم أراقب هذه الغابة المملة.. ولكن هذا الترصد أصبح مضجر حتى رأيت هدفي منصوباً أمام مُقلتاي في أحد مساءات يوم الخميس الفائت المُذهلة، ومنذ ذلك اليوم، وأنا أُحضر للحظة القادمة، وها أنا مُستعد ومتحمس، وأشعر أنَّ الحياة تمنحني أحد أزهارها.

تبقت ساعة واحدة يا أختي، يجب علي أن أستعد جيداً، أرجوك كوني بخير دائماً ولا تتجاهلي رسائلي.. اقرأيها وابتسمي، ولا بأس إن لم ترغبي بالرد، الأهم هو أن تبتسمي، أحبك.

أخاكِ الصغير، باتريك.

كورليسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن