البارت(٤) الجزء(٣)، ماوراء الرحيل...

9 3 2
                                    

نادت جيسكا كبير الخدم وأخبرته أن يختار لهما أفخر الأجنحة لأميرة لورنيسا العظيمة وصديقتها..
جيسكا: إذاً كيف حال ملكة لورنيسا العظيمة؟
أجابت فلوريندا: - هي بحال ممتازة.
أتمنى أن تكوني كذلك دائماً، يقول المسؤول إن هذا الجناح لصديقتك.
ردت فلوريندا: - وأين يكون جناحي؟
جناحك في الأعلى، حيث المكان يليق بك.
لا لا، أفضل أن يكون جناحينا قريبين.
إذا كنتِ مُصرة، كما تشائين هيا فلنصعد إذاً... هذا هو جناحك يا أميرة وهذا المقابل له جناح صديقتك استريحا هنا حتى يأتي وقت العشاء، وسأضع خادمتين هنا في حال احتجتما إلى شيء.
ردت فلوريندا: - شكرا لك.
لا داعي للشكر، فهذا واجبي إزاء أميرتنا...
تركت بعدها جيسكا الشابتان، لترتاح كلا منهما في جناحها الخاص، عندما دخلت ڤكتوريا جناحها، أيقنت تماماً أن ملوك ذلك العصر لا يهتمون بشيء أبداً، كما يهتمون بقصورهم، تراها كتحفة فنية ناتجة عن تراكمات إبداعية، إذ قامت على إثرها تلك القصور الفارهة التي لن يشهد العصر القادم مثيلها.
عرفت ڤكتوريا أيضاً أن القصور ليست مجرد مبانٍ فاخرة يعيش فيها الملوك وأصحاب السلطة؛ بل كانت القصور بمثابة بطاقة تعريفية عن حالة المدن، أعجبت ڤكتوريا وبشدة، بالطريقة التي بني بها ذاك الجناح، وكأنه مصمم خصيصاً للترحيب بالزائرين، ألوان زاهية وألواح مبهجة، وأرائك مريحة، وإطلالة فارهة في ذلك القصر، وكحال سائر قصور لورنيسا..
يكاد يستحيل النظر إلى مكان خالٍ من بصمات الفن والإبداع، هذه المرة تمكنت ڤكتوريا من التمعن وبدقة شديدة في تلك التفاصيل التي قد رسمها أعظم الرسامين حينها.
وعند النافذة وفي وقت الغروب كان المنظر أبهى من على تلك الشرفة، بينما تجلس هي على سريرها، فتحت النافذة أمامها...
كانت تحاول أن تستمتع بأكبر قدر ممكن في كل لحظة، وعندما جن الليل، طرقت إحدى الخادمات الباب معلنةُ أنه وقت العشاء.
غيرت ڤكتوريا ما كانت ترتديه، وارتدت إحدى الفساتين التي كانت قد أحضرتها فلوريندا لها إنه باللون الأرجواني الداكن، بدت فيه كما لو أنها زهرة توليب في ريعان شبابها.
وعندما خرجت صادف خروجها خروج الأميرة فلوريندا التي تفاجأت بما رأته، ڤكتوريا جميلة للغاية بذلك الفستان حتما ستخطف الأنظار.
فلوريندا: - هذا الفستان يليق بك للغاية.
أشكرك على المجاملة.
أنا لا أجاملك، تبدين به جميلة حقًا.
أنا جميلةٌ في كل أحوالي، ليس هذا بسبب الفستان.
أنت متعجرفة.
ليس أكثر منك.
ذاك العشاء سيقام مع دوق ودوقة ديلانوس وأبنائهم، كان لهم ولدين ذكور ومثلهما إناث، وعندما وصلتا لقاعة الطعام كان الجميع بانتظارهما.
وفي حال دخولهما توقف الجميع عن الكلام، فجأةً لم يسمع في تلك القاعة الكبيرة سوى قرع نعالهما فقط.
جلستا إلى جوار بعضهما بعد أن أزاح الكرسي ذاك الخادم الوسيم وراءهما، قال الدوق:
فلوريندا ألن تعرفينا بصديقتك؟
تقصد ڤكتوريا إنها صديقتي المقربة، ڤكتوريا هذا هو الدق جاليليو وهذه زوجته الدوقة مارسين، وتلك الجميلة هي ابنتهما أنجلا، وتلك تعرفينها جيسكا وهذا ولي عهد الدوق ستيف، أما هذا فهو توأم جيسكا جاكسن.
ڤكتوريا: تشرفت بمعرفتكم جميعاً.
جاكسن: ونحن أيضاً سعدنا بمعرفتك.
الدوق: حسناً فلنبدأ بالأكل.
بدأ الجميع بالأكل وبدأت ڤكتوريا أيضاً، ولكنها كانت تلاحظ طريقة أكلهم الرسمية، وبدأت تقلدهم في طريقة أكلهم قبل أن تقول جيسكا:
أتعرفن أيتها الفتيات، لحسن حظكن الليلة هناك حفل زفاف ابنة والي خزنة المدينة، وهو صديق مقرب لوالدي وابنته صديقتي أيضاً.
أتعرفون والدي لن يتمكن من الذهاب وسنذهب نحن نيابةً عنه وأنتما ستذهبا معي إن لم تمانعا.
ردت فلوريندا: - أنا ليس لدي مانع ماذا عنكِ ڤكتوريا؟
أنا أيضاً لا مانع إن ذهبت.
فلنتجهز إذاً ولننطلق بعدها، ستنتظركن العربة في وسط الباحة الأمامية.
ذهبت كلٌ منهن للتجهز للحفل، لم تكن ڤكتوريا ترى داعياً للتغيير ملابسها ولكنها أضافت بعض الزينة وارتدت حذاءً آخر.
خرجت ڤكتوريا من جناحها وطرقت باب جناح فلوريندا لتسأل عمّا إذا كانت جاهزة، ولكنها لم تكن كذلك، فسبقتها ڤكتوريا.
وبينما هي في طريقها إلى تلك العربة، التقت بجاكسن، كان حينها واقفاً ينظر إليها مذ خرجت من باب ذلك المبنى، خطوة تلو الأخرى، حتى وصلت إلى جواره، رحّب بها قائلاً: مرحباً بك يا آنسة.
أومأت ڤكتوريا برأسها وواصلت سيرها، فأمسكها بيدها وأوقفها قائلاً:
يمكنك أن تردي التحية إذا أمكنك.
فردت: أنا على عجلة من أمري.
لماذا ما زالت فلوريندا وجيسكا في غرفتيهما!؟ لمَ لم تغيري فستانك؟
لا أريد إنه يروق لي جداً.
لا ألومك، تبدين مثيرةً حقاً به.
أزاحت ڤكتوريا يده عن ساعدها وواصلت طريقها بسرعة أكبر بعدها.
قال لها بصوت مرتفع:
تلك القلادة التي ترتدينها إنها في غاية الجمال..
بالنسبة لذاك الشاب ليس من حقها أن تكون تلك الألماسة التي تتجول بين الناس ولا تريد لفت أنظار اللصوص، هي في الحقيقة اللصة التي سرقت منه غروره وأضاعته دون قصد.
كانت حقا مثيرة في مشيتها ونظراتها، تلك العينان
الخضراوان تأسران قلوب كل من يشاهدهما، صعدت هي على العربة ولم يَطُلِ الوقت حتى جاءت جيسكا.
كان جلياً لڤكتوريا أن تلك الفتاة تغار منها، هي لا تعرف لماذا، ولكن نظراتها وكلامها يوحيان لها بذلك، سيقول البعض أيعقل أن تغار امرأة، من طبقة النبلاء من أخرى من طبقة العامة، هذا ليس منطقياً،
عدا أنه في حالة ڤكتوريا إنها شابة تشد أعين النساء قبل الرجال، هي فاتنة حقاً لولا أنها عاشت في تلك القرية لكانت حتماً قد تزوجت من أحدا نبلاء لورنيسا إن لم يكن أحد أمرائها.
أرادت جيسكا أن تعرف عنها أكثر، أو بالأحرى أن تطفئ نار غيرتها بشيء ما.
سألتها: - إذاً هل أنتِ متزوجة؟
أجابت ڤكتوريا: - أجل متزوجة.
وما اسم زوجك؟
اسمه تفيرنر.
أزاحت جيسكا نظرها عن ڤكتوريا، فيما تحاول خلق سؤال أكثر جدية، أو على الأقل أن يكون مثيراً لأخلاق ڤكتوريا المتجمدة، لكنها لم تجد ما يطفئ كبريائها بعد، فقالت:
اسمعي، سوف أقول لكِ شيئاً يجول في داخلي، بصراحة أنا لا أراكِ تتناسبي مع أن تكوني رفيقة الأميرة فلوريندا وبالأخص أنكما لا تتشابهان، حقاً حتى وإن كنتن تظهرن عكس هذا.
صعدت فلوريندا على متن العربة وقالت:
هذه وجهة نظركِ، ومن الأفضل أن تحتفظي بها لنفسك، أما كلينا فسنبقى رفيقتان إلى الأبد أليس كذالك ڤكتوريا؟
ابتسمت ڤكتوريا بخجل وردت: - أجل بالطبع.
ثم أشاحت بناظريها نحو تلك النافذة الصغيرة في العربة لتجد حينها ليل ديلانوس، إنها أجواء البائسين، لا يوجد قمر نجوم فحسب تتلألأ في ذلك الفلك المظلم، إنها تبعث على الحيرة وتنسيك حيرتك.
عندما وصلت العربة إلى ذلك المحفل، ترجلت حينها الشابات من العربة تلك، تلفتت ڤكتوريا حال نزولها، المكان جميل.. والجنود يقفون على تلك السلالم بلا حراك..
الضوضاء تصدر من الداخل، ضوء الذي ينبعث من النوافذ.. نسائمٌ باردة...
بدأت ڤكتوريا بالصعود على تلك السلالم الرخامية التي تؤل إلى باب عملاق يفضي إلى قاعة الحفل، التي تصدر منها تلك الترانيم الشاعرية ممزوجةً بأصوات أحاديث الحضور.
وصلن إلى ذاك الباب..
رُحب بهن بشدة حينها..
لا سيما أن أميرة لورنيسا العظيمة هي إحداهن..
بدأ الجميع بالتوافد نحوهن، يلقون التحية فتعرفهم فلوريندا بڤكتوريا، ومن ثم يغادرون..
شعرت جيسكا حينها بالغيرة، لا أحد يتحدث إليها؛ بل يتجاهلونها، أضف إلى ذلك أن الجميع يعرفها لئيمة..
قبل أن تبدأ الموسيقى ليبدأ الجميع بالرقص..
خُطفت كلا منهن عدا ڤكتوريا وقفت متفاجئة *من سرعة ما جرى، حتى أمسكت يدٌ باردة يدها والتوت الأخرى على خاصرتها، لن تجد نفسها إلا وهي ترقص فجأةً وسط الحضور، إنهُ جاكسن، سألها: - تفاجأتِ أليس كذلك؟
صمتت ڤكتوريا فردد: - لقد جئت أنا وأخي ولي العهد، انظري إنه هناك يرقص مع صديقتك فلوريندا..
ثم بدأ يتودّدها قائلاً: بصراحة عندما رأيتكِ للمرة الأولى ظننتك الأميرة لولا إني أعرف فلوريندا من قبل، حقاً أنا لا أجاملكِ أراهن على أن الجميع هنا قد ظنوا بأنكِ إحدى أميرات الشرق.
ثم صمت قليلاً بينما يتأملها، ثم قال:
عقدك رائع وجميل للغاية، إنه يتناسب معكِ بشده وكأن صانعه قد صنعه لكِ خصيصاً، ما بكِ صامتة هل أنتِ متعبة؟
ما رأيك أن نعود معاً للقصر لنستمتع بعض الوقت ولتجربي شرابي الخاص، إنه مزيج من أعتق أنواع الشراب، ولنذب كل هذا الجليد بيننا.
أزاحت بعدها ڤكتوريا يديه عنها بقوة ودفعته ورددت بغضب "وقح"، ثم ابتعدت عنه وسط الحشود.
استغرب الجميع لما رأوه، فابتسم هو بدوره وتراجع خارجاً، تمنى حينها لو أن الأرض قد شقت وابتلعته.
خرجت ڤكتوريا إلى عتبة الباب لتستجمع قواها فأشارت لها فلوريندا من الداخل بالقدوم إليهم، كانت تتحدث إلى ابن والي الخزانة، وإلى جوارها جيسكا، فلبت ڤكتوريا النداء وذهبت إليهم.
كانت جيسكا حينها تتحدث معهم قبل أن تصل ڤكتوريا، حينها قالت فلوريندا مقاطعةً حديث جيسكا:
هذه ڤكتوريا صديقتي المقربة التي أخبرتك عنها مسبقاً، ڤكتوريا هذا هو تشاد ابن والي الخزنة.
رد الشاب: - تشرفت بمعرفتك.
وأردفت ڤكتوريا: - الشرف لي.
ثم بدأت جيسكا بمواصلة حديثها وما انفكت تتحدث حتى قاطعها تشاد قائلاً لڤكتوريا:
بالمناسبة العقد الذي ترتدينه مذهل؛ بل وغاية في الإتقان.
شكراً على مجاملتك.
حقا أنا لا أجاملك، فأنا أعمل في المجوهرات الثمينة ولي تجارة كبيرة فيها.
حقا؟!
أجل .. من أين حصلتِ عليه.
قصةٌ طويلة ولكن اختصارها أنه كان معي منذ كنت في الرابعة من عمري.
أنتِ محظوظةً إذاً بحصولك على هذا العقد، لا بد أن عائلتك من الأسرة الحاكمة أو ما شابه؟
ردت جيسكا متهكمة:
- أولاً بالتأكيد لا، إنها فتاة تعيش في الضواحي، ثانياً وما أدراك أنت قد تكون هذه القلادة غير أصلية.
رد الشاب: - هذا مستحيل أنا أعرف الياقوت البنفسجي جديداً ويستحيل تقليده، فهو متفرد وعتيق ويعرف من النظرة الأولى، وهو نادر الوجود، ويتطلب إحضاره إلى هنا فقط جهداً وأموالاً طائلين.
جيسكا: حسناً إذاً دعونا من هذا العقد الأسطوري، لقد خضنا فيه كثيراً، فلنعد إلى موضوعنا الرئيسي.
ظلت ڤكتوريا هنالك جسداً فحسب، أما ذهنها فقد كان خارج ذلك المكان بالكامل، ما قاله ذاك الشاب حرك فيها مشاعر غريبه لم تكن ڤكتوريا تشعر بها من قبل، يا ترى هل كانت عائلة ڤكتوريا ثرية إلى هذه الدرجة؟
ولو لم تكن هنا، أين من الممكن أن تكون الآن؟ ربما أكابر طبقة النبلاء أو ما شابه، ولكانت حتماً امرأة أخرى تتمتع بمكانة مرموقة في المجتمع، ولكن وبعد مدة من طرح كل تلك الأسئلة، أخيراً توصلت ڤكتوريا إلى أنه لا جدوى منها، سواء وجدت إجابة عليها أو لم تجد.
انتهى حفل الزفاف ذاك، وعادت الشابات كلٌّ إلى معقلها، وضعت ڤكتوريا ثيابها ودخلت لترتدي ملابساً أخرى للنوم، وبينما هي تبدل ثيابها في تلك الحجرة المنزوية، شرعت بأن أحدهم قد دخل بصمت إلى جناحها، فنادت حينها: من هنالك:
لا أحتاج شيئاً يمكنك الخروج.
فرد عليها صوت: - أين أنت...لا بد أنك تغيرين ثيابك أليس كذلك.
ردت ڤكتوريا: - وقد علمت من صوته أنه جاكسن: ماذا تريد! ارحل فليس عندي هذا ليس وقت طيشك.
لا عليكِ يمكنك الخروج حتى إن كنتِ عارية.
ألا تخجل مما تقوله، اسمع إن كنت تنوي على شيء ما
فأنا حتماً لا أصلح له، فأنا متزوجة ومخلصة لزوجي، لا تظنني أبداً رخيصة كالبقية أفهمت.
لن أفهم ما المشكلة إن كنتِ متزوجة، وإن كنتِ نفيسة فعندي ثمنك مهما يكن.
ردت ڤكتوريا: - إن لم تخرج فسأخرجك بطريقة لا تليق بك ألبتة.
خيم الصمت حينها قليلاً..
فهمّت بالخروج، قبل أن تسمع صوت خطوات أقدام تقترب شيئاً فشيئاً نحوها علمت بنواياه، ثم سمعته يهمس ستسامحيني بعدها ڤكتوريا ستسامحيني!!
تسارعت نبضات قلبها تزامناً مع أنفاسه، دفع باب حجرة تغيير الملابس، فلم تشعر ڤكتوريا بنفسها وهي تصرخ بقوة شديدة أرعبت بها أفكار جاكسن تراجع للوراء، أخذ قميصه الذي كان قد تعرا منه، ثم اتّجه نحو الباب، أمسك بمقبضه وفتحه، حينها كانت فلوريندا وعدد من الخدم قد تجمهروا أمام الباب بغية فتحه، أزاحهم..
وانطلق نحو البوابة متجهاً إلى قصره، وهو يمسك قميصه بيده قبل أن يرتديه وهو يركض في أروقته، وأمسى عارياً من أخلاقه وقيمه لا سيما أنه من طبقة النبلاء المنزهين -من المفترض- عن هذه الأفعال المشينة والمزرية على حد تعبيرهم..
وبرغم من أن جميع منهم مثله يمارسون تلك العادات باستمرار، إلا أنهم يفعلونها خلف الأضواء، متمسكين بعفتهم وطهورهم أمام الناس، ولكنه لما يزال مبتدئً، وشيء كهذا في العلن سيلاحقه أيما ملاحقة.
دخل الجميع إلى ذاك الجناح، ووجدوا أن ڤكتوريا تقبع خلف ذاك الباب مختبأة، حتى قالت لها فلوريندا مهدءةً لها إهدئي يا ڤكتوريا ولا تخافي نحن هنا، لقد رحل ذاك الحقير لا تخافي، أعدك أن ينال جزاءه.
ظلت ڤكتوريا صامتة مع دموعها فقط، فطلبت فلوريندا من الجميع الخروج، ثم قامت بإلباسها معطفاً، أمسكت بها وأجلستها على سريرها مهدئة لروعها، ثم سألتها: هل أنتِ على ما يرام؟
فأجابت ڤكتوريا: - أجل.
تراجعت بعدها فلوريندا، ثم خرجت وأغلقت الباب، نامت حينها ڤكتوريا والرعب يملأ جوفها، ولم تستيقظ إلا عندما سمعت طرق الباب إنها فلوريندا تيقظها لتعلمها بأن وقت الافطار قد حان.
استجمعت ڤكتوريا نفسها، ومن ثم فتحت الباب، قالت ڤكتوريا: - هل يتوجب علينا الذهاب؟
ردت فلوريندا: - بالطبع، وإلا سيظن الجميع أنكِ لستِ على حق.
أتقصدين أن الجميع قد عرف؟!
بالتأكيد عزيزتي ڤكتوريا، لا يخفى شيء ألبتة خلف جدران هذه القصور.
أمسكت ڤكتوريا بيد فلوريندا وانطلقتا حتى وصلتا إلى  غرفة الطعام، دخلتا بعدها، شعرت ڤكتوريا أن الجميع يحدق بهن بطريقة غريبة، وكأن الجميع كان ينتظر وصولهن،  عم الصمت المكان لم يتبقَ سوى أصوات قرع نعالهن بينما يتقدمن، نحو تلك المائدة الطويلة، وصلا إلى الطاولة حتى سمع صوت سحب الكراسي وتقديمها.
جلستا والصمت ما يزال سيد الموقف، أنظار عائلة الدوق، كلها نحوهما كمسرحية تراجيدية صامتة، بدأ الجميع بالتكلم بإشارة العينين، أما جاكسن كانت عيناه نحو الأسفل، وكأن شيئاً يمنعه من تحريكهما.
تفوّه حينها الدوق قائلاً:
لا أعرف ما أقوله، كل شيء حدث بسرعة، حسنا إذاً، ما بدر من ابني جاكسن ليلة الأمس كان حتماً مشيناً، وأعرف أن الاعتذار لا يكفي، ولو أنه يكفي لجعلته يعتذر حتى المساء، ولكن لا أظنه يجدي نفعاً، ما فعله جاكسن كان خطأ وسيدفع ثمنه غالياً.
في مثل هذه الحالات عندما يبدر شيء كهذا من ابن دوق لضيفة لدى البلاط، لا شك أن هذا أمر مشين، ويبنى عليه عدة أمور استثنائية، أفكاري حقاً متضاربة ولكن كل ما أعرف أني سأقوله، هو أن جاكسن سيحرم من توصيفه كدوق هذا أمر حتمي.
شخصت أبصار الجميع نحو الدوق، وقف جاكسن، دفع كل الأطباق أمامه وغادر المكان وسط أصوات انكسار ذلك الفخار.
تبعته جيسكا واستأذنت فلوريندا وڤكتوريا للخروج أيضا.
أوقفت جيسكا جاكسن وقالت:
اهدأ جاكسن، أرجوك لا تجن كعادتك.
كيف لا أجن أسمعتِ ما يقوله والدك.
كان عليك أن تتوقع هذا، أنت تعرف بأن والدي لم يكن ليفعل هذا لولا أنك أذنبت وأمام الملأ، ولو أن أحد الأشراف علم بما بدر منك وأن والدي لم يعاقبك لأكبروها وسيجعلون منها عظيمة، وأنت أكثر من يعرف أن هنالك الكثير ممن يريدون من أبانا أن يقع في الخطأ كي ينهشوا ظهره.
رد جاكسن: سوف أنتقم منها.
فأجابته جيسكا: دع الانتقام لي، أنا أعرف كيف أعاقبها.
دخلت وبينما كانتا (ڤكتوريا وفلوريندا) يجلسان على أحد الأسِرّة، خرجت ڤكتوريا عن صمتها وقالت:
علينا أن نغادر، من هنا وصاعداً لم يعد مُرحبا بنا.
هزت فلوريندا رأسها بالموافقة ثم خرجت من الجناح وتوالت خطواتها حتى خرجت من القصر، كان أحد حراسها يقف هناك عندما قالت له:
تجهزوا، غداً صباحاً سنغادر.
حسنا سيدتي كما تأمرين.
نافذة مفتوحة... ظلامٌ دامس... نجوم متناثرة... ريدانة باردة...ستائر متطايرة.
ڤكتوريا ثاوية على سريرها، غارقة في بحر أفكارها، تستجم تحلم.
شهقت برقة، شحنت صدرها بالهواء النقي، زفير إلى ما لا نهاية ولهُ نهاية، طُرق الباب.
إنهُ وقت العشاء...

البورتريه الأخيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن