الفصل الثالث "الجزء الأول" :
كانت "غرام" متصنمة بمكانها أمام "أيوب" والبقية الشاهدين على عقد القران، تتابع إنهاء اجراءات عقد القران بتبلد وكأن ما يحدث لا يخصها، لا زالت تذكر كيف أتته بعد الساعتين مباشرةً لتبلغه بقرارها بالموافقة، لا... لم يكن قرار بل كان إقرار من القدر بمصيرٍ محتوم، فأي تفكير مخالف كان سيودي بها للتهلكة حتمًا.
وبالفعل صارت زوجة أيوب العماري.. الرجل الذي اتخذته درعًا لمواجهة هجوم الظلم الكاسح، تتمنى أن يكون كذلك وألا يتفتت ذلك الدرع الوهمي الذي اختلقه عقلها ليكون شظايا مُدببة تُغرز فيها.
بدأ الأشخاص المعدودين يغادرون واحد تلو الآخر حتى غادر الجميع، نهض أيوب من مكانه وتحرك نحوها، فاضطربت أنفاسها وهي تُهيء نفسها ربما لحديث قادم، ولكنه خالف ظنها حين سحبها من معصمها قائلًا بجفاف:
-يلا هنمشي.غمغمت بحروف مذبذبة كحالها:
-هنروح فين؟-هنروح لكامل.
أخبرها وهو يسير وهي خلفه، فتوقفت تلقائيًا ما أن سمعت اسم "كامل" وازداد اضطراب مشاعرها التي طفت على قسماتها، ثم تمتمت بصوتٍ مكتوم:
-هنروحله ليه؟ أنا مش عايزة أروحله.زفر أيوب بصوتٍ مسموع عنيف وكأنه يكتم غضبه، يُغضبه رؤية "كامل" يفرض سطوته وجبروته على آخر كما كان يفعل معه، خاصةً إن كان هذا "الآخر" ليس سوى... زوجته!
أمسكها من كتفيها ضاغطًا عليها بحزم مخلوط بشيء من القسوة غير المتعمدة:
-أنتي بجيتي مرت أيوب العماري، إنسي الضعف والخوف دا، أنتي ماعملتيش حاچة تخافي منها، حاولي تكوني شديدة وتستحجي المكانة اللي بجيتي فيها.اخترقتها كلماته الصلدة، يحاول أن يبثها الصلابة ولكن بطريقة قاسية، كمَن يلهب الحديد بالنيران ليزداد صلابة.
ثم هزت رأسها مؤكدة بطاعة دون أن تنطق، فتحرك أيوب وهي خلفه، وقد سلمته مقاليدها بالكامل حتى وإن لم تعلنها.
بعد قليل....
دخل المتجر الصغير الذي يمتلكه والده، دون استئذان كعادته بعدما قرر استباحة كل ما هو له.
فنهض "كامل" من كرسيه فور رؤيته له، وهتف ساخرًا:
-إيه أيوب چاي لغاية عندي....وقطع كلماته بعدما رأى "غرام" التي ظهرت خلف ظهر "أيوب" فقال ضابطًا نبرته على انفعال مصطنع لا تمتلكه أعصابه حاليًا:
-مين جاب البت دي هنا ؟ يا مچرمة، الشرطة هتجيبك فاكرة نفسك هتهربي من دم البريئة يا جادرة يا سافلة.زمجر فيه أيوب بشراسة:
-بس ولا كلمة.ردد كامل مستنكرًا بغيظ:
-أنت بتزعجلي يا أيوب؟استطرد بخشونة صارمة:
-لما تتعدى على مرت أيوب العماري يبجى لازم تسكت.بهتت ملامح كامل بذهول وإتسعت عيناه دون استيعاب وهو يسأله:
-إيه بتجول إيه؟ مرت مين؟ مرت أبني أنا؟! دي مچرمة و جتلت مرتي.