البارت السابع

749 21 1
                                    

الفصل السابـع :

اعتدلت "ليلى" في جلستها والتعجب يفترش قسماتها من تواجد "ظافر" أمامها تحديدًا، فيما تنحنح ظافر بخشونة قبل أن يجلي صوته قائلًا بتوتر أخفاه بمهارة وهو يحاول مداراة سبب تواجده الحقيقي:
-امال فين چدي ؟

أشارت ليلى وأشباح التوتر تشوش ثباتها:
-راح الحمام.

اومأ برأسه ثم تحرك مغادرًا الغرفة، لم يشعر مسبقًا بهذا الكم الهائل من الزلزال العاطفي الذي عاث فسادًا في كافة خلاياه الجامدة!
اعتقد أنه سيقتل شوقه المستعر وتخيلاته بهذه القبلة اليتيمة، ولكنه لم يكن يعلم أنها كالزيت ستزيد سعير الشوق وتتركه متلهف وجائع للمزيد!

مسح على خصلاته السوداء بقوة وهو يتنهد بصوتٍ مسموع، متذكرًا نقطة البداية... اللقاء الأول... بل اليوم الأول للعنة التي أُلقيت عليه؛ لعنة العشق!

كان قد تشاجر مع أحد أخصامه في ذلك اليوم واُصيب ذراعه بجرح يحتاج إلى "غرز" فاتجه منفردًا للمستشفى التي تعمل بها ليلى، وكانت ليلى في نفس اليوم اجازة من عملها ولكنها جاءت لتنهي بعض الأوراق الخاصة بها.

خرجت ليلى من المستشفى مسرعة وهي تتحدث في الهاتف بينما تسير، فاصطدمت دون قصد بـ "ظافر" الذي كان يسير ببطء ممسكًا بذراعه، تراجعت خطوتان للخلف معتذرة بسرعة وتلقائية:
-أسفة چدًا مش جصدي.

همهم ظافر بخفوت وهو يهز رأسه:
-ولا يهمك.

انتبهت للدم الذي يلطخ ملابسه عند ذراعه، فقالت بقلق ونظراتها مُسلطة على جرحه:
-دراعك شكله متعور چامد !

تحامل ظافر على ألمه وهو يخبرها بابتسامة زائفة:
-حاچة بسيطة.

اندرجت ردود أفعالها تحت بند العفوية البحتة بطبيعة عملها كممرضة، فأشارت له متابعة بهدوء:
-بس النزيف دا غلط يستمر كدا.

ثم صمتت برهة وكأنها تفكر قبل أن تخلع "الكوفية" التي كانت تلفها حول عنقها، ونظرت له متمتمة برقة فطرية:
-ممكن تفرد دراعك؟

استجاب ظافر بتلقائية وسوداوتاه تتوهج بالإعجاب، مدققًا النظر لوجهها البهي بسماره المميز ورقته... لا يرى أنثى جميلة للمرة الاولى، ولكنها ليست كأي أنثى، هي مميزة بطريقة آسرة، لم يفطن بعد لماهية اختلافها ولكنه يشعر بجوهر ذلك الاختلاف.

بعد أن شدت من عقدة الكوفية حول ذراعه، أردفت بصرامة لطيفة:
-المستشفى اهي خلاص جربت روح الاستجبال بسرعة عشان لو دراعك فضل ينزف كدا ممكن ضغط الدم يوطى ويغمى عليك.

ثم سألته بشك:
-تحب أچي معاك أوصلك؟

ولكنه غمغم بهدوء خشن يغلب عليه الامتنان:
-شكرًا أنا كويس ماتجلجيش.

بادلته ابتسامة حلوة لا تُنسى قبل أن تغادر في طريقها ويكمل هو سيره نحو المستشفى..

مر على ذلك اللقاء ثلاث أسابيع تقريبًا، ثم رآها مرة اخرى في السوق وهي تشتري اشياء مع صديقاتها، دون ارادته استرقت نبضة من قلبه الذي انتعش برؤيتها وتشققت قشرة الجمود المحيطة به.

رواية نبع الغرامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن