البارت التاسع

745 22 0
                                    

الفصل التاسع :

استند "أيوب" بظهره للفراش متنهدًا تنهيدة طويلة عميقة تحمل في طياتها الكثير وهو ينظر على غرام القابعة جواره تغط في نومٍ عميق، لم يشعر يومًا بهذا القدر من الزخم العاطفي؛ أنه غارق في مشاعر شتى حد التخمة، لا يستطع فك شفرات هذه المشاعر، ولكنها جديدة عليه، جديدة ومؤثرة بشكل يخشاه قلبه الجريح، لم يكن يظن أن امتلاكه لها سيسبب له هذه الفوضى في عمق احاسيسه..

مد يده يتحسس نعومة وجهها بطرف أصابعه بشغف لم يعي أنه يترنح في حدقتيه المُظلمتين..

ثم هز رأسه نافيًا، بالتأكيد هذا التأثير لأنه رجل وهي زوجته والتأثر الغريزي لا يستطع تحجيمه، ظل يؤكد ذلك لنفسه مرارًا قبل أن يسحب يده بعيدًا عنها ويتظاهر بالنوم حين شعر بها تتململ في نومتها.

فرقت جفنيها ببطء لتقع عيناها عليه ويدرك عقلها وجوده جوارها مرسلًا لها هزة عاطفية تتبع الادراك أنها صارت زوجته فعليًا، زوجته ولا مجال للتراجع.. قدرها صك الرباط بينهما كما صكها هو بملكيته.

وهو ليس سيء كما يبدو، على الأقل هي لا تراه كذلك، ربما هو يندفع بغلاظة دفاعية لا تعلم سببها، ولكنها تستطع رؤية ذلك الوجع والضعف الرابض داخله ويحاول هو اخفاؤه بقشرة خارجية من القسوة.

على ذكر القسوة، وجدت نفسها تمد يدها لتتلمس ببطء وحنان بأصابعها الرقيقة الندبات الموجودة على كتفه العاري، شعر أيوب بانتفاضة داخلية عنيفة اثر لمستها تلك، فضغطت يده بقوة تلقائيًا على خصرها الذي كان يحيط به بتملك دون وعي، لتتأوه غرام بألم طفيف وتبعد يدها على الفور..

حررها أيوب من بين ذراعيه ثم نهض وهو يتنحنح دون كلام، ولم تستطع هي ايضًا النطق بحرف، ثم اتجه لدورة المياه دون أن يلقي نحوها نظرة حتى..

حسنًا، على أي حال هي لم تكن تتوقع منه صباح عاطفي لاهب كالعشاق.
تنهدت وهي تنهض هي الاخرى، يبدو أن لديها طريق طويل لتأسيس حياة مستقرة بينهما كأي زوجين، فهي لا تملك رفاهية الزواج والانفصال لأسباب عاطفية كالمراهقين، هي تحتاج للاستقرار فقط.

بعد فترة...

قامت غرام بتحضير الافطار ليتناوله كليهما، تُمني نفسها أنه ربما يقبل هذه البادرة للاستقرار بينهما..

خرج أيوب من الغرفة بعدما أنهى ارتداء ملابسه، فتنحنحت غرام قبل أن تجلي صوتها قائلة بهدوء:
-أنا حضرت الفطار، افطر قبل ما تنزل.

لبرهة كاد يومئ برأسه موافقًا، ولكنه توقف وصوت يحذره... عليه اتخاذ خطوتين للخلف، وبالفعل هز رأسه نافيًا بهدوء جاف:
-لا أنا بفطر في الشغل افطري أنتي.

ثم تحرك نحو الباب ليغادر تحت أنظارها الساكنة الغاضبة، اليوم تحديدًا أرادها أن تدرك أن لا شيء تغير بينهما بما صار، ستظل الحدود بينهما ويظل هو في مساحته الآمنة، وستظل هي زوجته ايضًا بالشكل الذي يريد !

رواية نبع الغرامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن