البارت الثاني عشر

797 25 1
                                    

الفصل الثاني عشر :

شعرت بالدنيا تدور بها، والدخان يزداد انتشاره حتى تخلل أنفها بضراوة فشعرت بالاختناق المميت حتى صارت تلتقط أنفاسها بصعوبة، بدأ جسدها يرتخي شيئًا فشيء والوهن يتملك منها رغم أن الرعب لا زال يسكن جنبات روحها برؤية النيران التي تلتهم كل شيء..

هل جربت استرجاع أحداث حياتك كلها وأنت تعلم أنها الثواني الأخيرة لك في هذه الحياة ؟ هكذا كانت هي، يمر أمام عينيها شريط حياتها، واحاسيسها ما بين الرعب والندم والصدمة تتداخل معًا بشكل مُهلك لم يسبق لها أن تعرضت له قبلًا.

وكان أخر ما سمعته هو صوت طرقات عنيفة على الباب وصراخ عدة أشخاص من الخارج خمنت أنهم جيرانهم..

كان "أيوب" في المتجر الخاص به يشرف على الصبية الذين يعملون معه وهم ينظمون البضاعة الجديدة، فأتاه اتصال، وما أن أجاب حتى أخبره أحد جيرانه أن منزله يحترق و.... غرام فيه!

ما أن وردت تلك الخاطرة على عقله حتى شعر وكأنه تم الدفع به في هوةٍ ساحقة فسقط متهشمًا بعنف وتفتت قلبه الزجاجي فداهمه ألم ساحق لم يشعر به يومًا في حياته!

هرع بهيستيرية نحو المنزل وهو يدفع كل مَن أمامه، يركض المسافة الصغيرة بين المتجر ومنزله شاعرًا أنها صارت طويلة جدًا فجأة..

وصل أخيرًا بعد دقائق قليلة إلى المنزل، وجد الحشد المجتمع أمام منزله فأخذ يدفعهم بجنون ويدلف، وجدهم قد كسروا باب المنزل لتوهم، فدخل ليجد "غرام" متكومة أرضًا خلف الباب، رقد جوارها بهلع يرفعها بين ذراعيه ويخرج بها، ثم دخل البقية ليبدأون بمحاولة اطفاء النيران..

وبالخارج جلس "أيوب" بها أرضًا وهي بين أحضانه، يتحسس ملامح وجهها الشاحب كالأموات وهو يناديها بصوت تمكنت منه اللوعة حد النخاع:
-غرام، غرام ردي عليا، جومي ردي عليا يا غرام.

أمسك بالمياه التي قدمها له احد الواقفين، وبدأ يرمي قطرات منها على وجهها، ثم نهض يحملها من جديد متجهًا بخطى راكضة نحو السيارة التي ركبها أحد الرجال ليقودها بينما أيوب يضع غرام فوق قدميه بالخلف، كان يشعر أن دقات قلبه في سباق مُهلك مع الزمن لدرجة أنه شعر كل نبضة جديدة صارت كرصاصة قاتلة تتلقاها روحه..

وسؤال وحيد يضخه قلبه المُروع لنفسه ليُغرقها بالفزع.. هل يُعقل أن تتركه... وتموت؟ تتركه وحيدًا من جديد بعدما دست نفسها عنوة في حياته ليعتاد وجودها دون شعور منه !

هز رأسه نافيًا لِمَ توصلت إليه أفكاره، وظل يهزها مغمغمًا بصوت متحشرج مكتوم:
-لا لا، مش هتسيبيني في الاخر !

ثم صدر عنه هذيان ممزق بالندم :
-أنا السبب، أنا السبب.

وصلوا أخيرًا للمستشفى، وتم نقل غرام لغرفة الاستقبال، كان أيوب يدور بلا هوادة أمام تلك الغرفة، وجد ظافر أمامه وقد أتى مسرعًا فالأخبار في هذه البلدة تتناقل بسرعة، وراح يسأله بنبرة يلفحها القلق:
-إيه حصل ؟ مرتك كويسة؟

رواية نبع الغرامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن