الفصل السابـع عشر " الأخير " :
تحرك أيوب للداخل بنفس البطء الثقيل الذي يثير التوجس والقلق في النفوس، حتى جلس على الأريكة بل ارتمى بجسده فوقها، جلست غرام جواره وهي تسأله من جديد وعيناها ترجو اجابة واحدة من حرفين:
-بعد ما بلغت عن كامل هو بلغ عني واتهمني صح؟-كامل مات.
أخيرًا استطاع لفظها خارج حدود شفتيها التي عجزت لدقائق طويلة عن التملص من أسفل حجر الصدمة الثقيل جدًا، ما أن تلفظ بها حتى نظر لها مذهولًا وكأنه يتأكد مما نطق به لسانه وأبى عقله تصديقه، ليقرأ ذهولًا وصدمة ملامحه في صفحة وجهها، ثم خرجت غمغمتها بطيئة غير مستوعبة:
-إيه! مات ؟ مات ازاي وامتى؟!-النهارده، بعد ما بلغت عنه من 3 أيام الظابط طبعًا فضل يدور عليه وفكرناه هرب، لكن النهارده بلغني إنه اتجتل.
رد بعد صمت دام لدقائق اخرى بشحوب وخفوت، والاجابة عن اسئلتها والحديث في هذا الموضوع كان يستهلك أقصى طاقة يمتلكها، بل كلما نطق بها يكتوي لسانه وكأنها جمر حارق.شهقت غرام بفزع وهي تحيط فمها بكفها في حركة عفوية، مرددة خلفه كصدى لصدمته:
-اتجتل ازاي! مين اللي جتله وليه؟هز كتفاه معًا بقلة حيلة مجيبًا بشرود وعيناه مُسلطة على الفراغ أمامه:
-ماعرفش مين.صمت برهة ثم نطق بصوت أقرب للهمس وقلبه ينتفض بعنف رغمًا عنه وهو ينطقها:
-لاجوه متجطع في اكياس ومرمي في ترعة وفي الزبالة.-إيه! يا نهار اسود، لا حول ولا قوة إلا بالله .
رددتها غرام بلسان شديد الثقل وكأن الصدمة خدرته تمامًا، فيما ابتلع أيوب ريقه يشعر بدمعة حارقة في عينيه يحبسها بقرار صارم من عقر ماضيه الأسود، ثم أضاف بنفس الهمس المختنق:
-بس أنا مش زعلان، هو مايستحجش إني أزعل عليه، صح يا غرام؟ هو عمره ما عملي حاچة حلوة عشان أزعل عليه.اومأت غرام برأسها هامسة برقة حانية وهي تقبل عينيه القابضة على الدموع وكأنها تعطها مفتاح الإفراج:
-صح يا حبيب غرام، بس أنت زعلان عشان أنت انسان، انسان بتحس وبتتأثر غصب عنك مهما كان الشخص وحش، ولو كان حد غريب كنت هتزعل عليه برضو، فما بالك بأبوك.فرت تلك الدمعة الحبيسة في استجابة فورية لقبلتها الحانية التي ربتت بها على جروحه، ليأخذ أيوب شهيقًا عاليًا قبل أن يغمغم:
-دا حتى يوم ما أمي ماتت ماسابنيش أزعل او أعيط عليها، خلاني مسحت البيت ومانزلتش العزا بتاعها، وخلاني جلعت هدومي وفضل يضربني بالحزام ودلج المايه عليا في عز البرد.ثم إلتوت شفتاه بسخرية وهو يضيف بحرقة:
-اه أنا ازاي أعيط بانهيار في عزا أمي، أنا كدا مش راچل وماستحجش أكون ابنه ولازم أبجى زي الحريم ودوري زيهم أنضف وأمسح بس ومانزلش العزا مع الرچالة.احتضنت كفه بين كفيها وهي تهتف بإصرار ونبرة حمائية كأم تدافع عن طفلها:
-أنت راچل وسيد الرچالة كلهم، وربنا كان بيختبرك بأب جاسي كدا، وأنا متأكدة إنه هيعوض صبرك خير.