البارت الرابع

909 28 0
                                    

الفصل الرابـع :

عاد "ظافر" من عمله واتجه للداخل مباشرةً للمرور على جده اولًا كعادته، ولكن هذه المرة بدافع مختلف، فهذه المرة جده مستاء منه بعد شجارهما الأخير، وكله بسبب تلك الحرباء المُسماه "ليلى"، راح يتذكر حين استدعاه جده لغرفته ذلك اليوم قبل أن يحضر ليلى...

اقترب من فراشه راسمًا على وجهه ابتسامته المعتادة المغموسة بالود:
-ايوه يا چدي.

سأله الجد بصوتٍ أجش:
-ليلى فين يا ظافر ؟

أجاب ظافر بثباتٍ بارد:
-مشيت.

سؤاله التالي كان في قالب الإقرار وليس التساؤل:
-مشيت ليه؟ أنت اللي مشيتها صح؟

فنفى ظافر برأسه وهو يتلفظ بنفس الثبات:
-لأ مش أنا هي اللي مشيت لوحدها.

إنقشعت قشور الجمود عن كلمات جده وهو يزمجر فيه بغضب نحو ظافر يرسى على شواطئه لأول مرة منذ فترة طويلة:
-وهي هتمشي لوحدها فچأة ليه هي مچنونة؟ أنت أكيد عملتلها حاچة عشان تمشي، أنا ماعرفش أنت حاططها في دماغك ليه من ساعة ما شوفتها مع إنها بت غلبانة وفي حالها، ورغم إني جولتلك أنا مرتاح لها لكن ازاي، طالما ظافر باشا مش مرتاح لها مش مهم أي حاچة تاني، ولا مهم حتى تعمل اعتبار لچدك ماهو خلاص كبر وخرف ومابجاش له لازمة.

أسرع ظافر ينفي وهو يسترضيه بعذوبة واحترام:
-لا طبعًا ما عاش ولا كان اللي يجول عنك كدا يا چدي، وأنا فعلًا ماعملتلهاش حاچة واحترمت رغبتك.

ولكن غضبه لم يخفت، وكأن الزيت المسكوب عليه كان شديد الفاعلية فلا يسنح لأي محاولات بإطفائه:
-هو "العمل" بالنسبالك يعني إيه؟ هو لازم تطردها عشان تبجى عملت؟ ما أنت اهانتها واتعاملت معاها بغشومية وأخرهم على يدي كنت عايز تمضيها على وصولات أمانة.

تنهد ظافر تنهيدة طويلة تحمل انفعال أهوج في باطنها نحو "ليلى"، قبل أن يترك الخبر لينساب من لسانه المنقبض:
-يا چدي البت دي كانت بتشتغل مع ناس مش مظبوطين.

استكانت نظرات "سالم" الغاضبة للحظاتٍ، وتريث لسانه قبل أن يفصح عن الرد المتوقع:
-اديك جولت كانت... أنا طول الشهرين ماشوفتش منها أي حاچة تشككني فيها، وبعدين ما يمكن أنت ظالمها عندك دليل حجيجي عليها ؟ لو عندك روح سلمه للشرطة خليها تجبض عليها.

لم ينبس ظافر ببنت شفة بل كانت ملامحه متجهمة ساخطة على ما يحاول جده توجهيه له، فهز سالم رأسه مؤكدة:
-ماعندكش، فهمت إن اللي أنت عرفته عنها مش شرط يكون حجيجي.

صمت برهة ثم أردف آمرًا بنبرة صلبة:
-أنت مش هاتمشي اللي في دماغك عليا يابن رضا، تروح تسترضى البنية وترچعها.

أدرك حينها ظافر أن هذا الشجار ليس عادي، وإنما هو تحدي من نوع آخر بينه وبين جده الذي تلاعبت الشيخوخة بحكمته، بالإضافة لتلاعبٍ آخر يعرف أن مكمنه ليس سوى "زوجة عمه" التي يشعر بكرهها المنبثق من عينيها نحوه وإصرارها على إثبات خطاؤه في أي شيء!

رواية نبع الغرامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن