في البيت

409 37 47
                                    

1

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

1

نهض عن سريره، مطَّ جسده بحركة مسرحيَّة، متمثّلًا دور جندي في معسكر تدريب مرمي بقاعة كبيرة، غاصَّة بأسرَّة لجنود نيام يقفزون مثل نابض، ما إن يسمعوا صفَّارة المدرِّبين.
ترنُّ في رأسه تلك الصفارة منذ البدء، ابتلعها فتحلَّلت بدماغه، سكنت العصيبات والشُّعيرات. أو هذا ما يطلق عليه السَّاعة البيولوجيَّة، الإحساس الدَّاخلي بالوقت. الجندي الماثل الآن يهيب أن يبدأ استعراضه العسكري، له ساعة لا تُخطئ. منبِّه داخلي، منتظم، يرنُّ لينبِّهه بالواجبات اليوميَّة: وقت الاستيقاظ، الاستحمام، الفطور، ثُمَّ العمل والتزاماته، حتَّى الخلود للنَّوم... منبِّه أكثر دقَّة وصرامة من أيِّ منبِّه إليكتروني أو ميكانيكي. يتفجَّر رنينًا برأسه مصحوبًا بصوَر وأصوات وروائح؛ ليعلن أزوف وقت التزام ما. فيبادر من فوره كخادم مخلص، يطيع المنبِّه ويقضي له ما طلب وأمر، دونما تأخيرٍ أو اعتراض. فهو شديد الصِّلة بنفسه، وثيق العلاقة بها. في داخله، هناك، في الظُّلمات، تقبع طبقات من الالتزامات، شُّروط، واجبات، محظورات... يسمِّيها المبادئ. هو عبد لها، تظهر في الخارج بصورة مادِّيَّة كأعمال يوميَّة والتزامات روتينيَّة.

2

يعدو إلى الحمَّام بخطى ثابتة، متلبِّسًا دور الجندي حتَّى الآن. يرفع قدماً ويضع أخرى، بحركات رشيقة، لا يعتريها ارتجاف أو ضعف، مُتَّزنة ومتكلِّفة. باستقامته المعهودة منتصبًا مثل ديك. عموده الفقري يبس وتخشب. من يراه يحسب شاقولًا غير مرئي متدلِّيًا من أعلى جبهته حتَّى قدميه، مارًّا بالمقطع الأمامي لجسده بحرِّيَّة تامَّة، دون أن يعيق ميزانه شيء خارجًا عن اتِّساقه العضلي، من أعلى الجبهة حتَّى ظاهر القدمين. بدا بهذا الكمال الجسماني والاتِّساق العضلي، كبطل أولمبيِّاد قضى عمره برفع الأثقال ونحت العضلات. ولا يبالغ من ظنه نصبًا يونانيًّا مجسَّمًا. أو إيطاليًّا من عصر النَّهضة، تَّماثيل تبز بجمالها ودقَّة تفاصيلها وكمالها البشر أنفسهم، وتتفوَّق عليهم دفعة واحدة. هو ذا إحدى النُّصب الرُّخاميَّة مفرطة الدِّقَّة ومتكلِّفة التَّفاصيل، بداءً من عضلتيه القصيتين التّرقوتين الشبيهتين بغصنين يانعين، ثُمَّ عضلة الكتف ثلاثيَّة الرُّؤوس المفروشة مثل حبَّار، العضلتين المنحرفتين المربَّعتين، كُتلتي الحجارة تينك، ورمَّانتي الكتف المشقوقتين، ثُمَّ دَّالَّتين، درعين معدنيّين سميكين تنسدلا من تحتهما عضلتان عضديَّتان متورِّمتان، ثُمَّ العضديَّتان ذاتَا الرَّأسين، وبعدها العضلة الذِّراعيَّة الكعبريَّة النَّاتئة كأفعى نائمة. وصدره المرصوف بالعضلات المثبَّتة من أعلاه إلى أسفله، المسنَّنة والمستقيمة والمستعرضة. تُّحفة جسمانيَّة بديعة، دقَّت عضلاته واتَّسقت.

الضحيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن