المواجهة

77 18 11
                                    

20

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

20

بسط ذراعيه على منضدة مكتبه، وأخذ يطالَّع أكوام الورق والسِّجلَّات المرصوفة فوقها. رزم موزَّعة بشكلٍ هندسي، تأخذ كل منها موقعًا ضبط مسبقاً: السَّاعة الأولى من الصَّباح للسِّجل الَّذي يقترب من حافَّة المنضدة بمقدار ذراع، تليه السَّاعة الثَّانية للسِّجل المجاور. مقسمة الساعات من بداية اليوم حتَّى نهايته على السِّجلَّات وحزم الأوراق.
باشر عمله. منذ اللَّحظة؛ وما إن رفع غلاف السجل حتَّى تغيَّر لونه، جحظت عيناه، وقتم وجهه، وكأنَّه لُسِع بالنار. أصابته رعدة عابرة ارعشت يداه. أمعن النَّظر بقائمة الأسماء أمامه، دقَّق، وقرأ الاسم أكثر من مرَّة. لم يخطئ إذن، لا أحد غيره، الاسم والهيئة والعمر وباقي التَّفاصيل. زعق الرَّئيس وهَبَّ من مكانه، يرتعش وعيناه تتطايران شررًا وغضبًا... قلب الاسم الذي يتصدر القائمة ويحتل الرقم الأول منها، حاله رأساً على عقب. فقد اؤهل النَّزيل بالأمس. يتذكَّر، ما حدث، التَّوصيات الَّتي وضعها بعد أن قرأ ما ابتكره قسم الابتكارات بخصوص النَّزيل الَّذي قدم حديثًا إلى المصلحة. العنبر الَّذي اختاره، والزِّنزانة الَّتي أنزله فيها.
يتذكَّر بجلاء (كُرة السّقلة) وضع التأهيل الَّذي اختاره؛ كُرة تتوسط القفص الحديدي، أوثقه عليها، انحنى جسده متماثلاً تكوُّر الكرة، أوثق يديه مع قدميه بوثاقٍ واحد، وأبقى فمه مفتوحاً للصُّراخ، وعيناه تبحلقان في السَّقف، مُسلَّط عليهن شعاعا ضوء متعامدان... يتذكَّر العُدَّة الَّتي خصَّها له: ثلاث سكاكين بأحجام مختلفة، مشرط صغير، وسيخ مُسنَّن. مع جهاز التَّسخين الكهربائي الموصول بتلك الكُرة المعدنيَّة ليبقيها ساخنة، تتصاعد حرارتها تباعًا، محكومة بما خُصِّص من وقت: ستّون دقيقة من التأهيل.. يتذكَّر العاهة الَّتي اقتُرحها، إذ في كلِّ جلسة لا بُدَّ أن يُمنَّى النُّزلاء بعاهة مستديمة واحدة. اختاروا أن يُسحَب عموده الفقري لتنزلق الفقرات على بعضها، مُخلِّفة آلام لا تُحتَمل، دون جرح أو شق.
لمعت بذهنه الصُّور جميعها، بتفاصيلها وأحداثها، كم جرحًا خلَّف في هذا الجسد وكم نُدبة، كم قطبًا سيُزرع عليه والى ما سيدوم علاجه. حتَّى رقصته يتذكرها. تقافز نشواناً بعد أن أنهى عمله. حدث هذا بالأمس، والآن، يدرج اسم النَّزيل في قائمة مستحقِّي العقاب؟ ثلاثون يومًا يحتاج حتَّى يُعاد إلى القائمة. من وضعه اليوم على رأسها؟ من المسؤول عن هذا الخطأ الَّذي لا يُغتفر؟

الضحيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن