ضممت نفسي بكلتا يداي اصطنع بعضا من الدفء، فهذا المكان؛ بارد نوعا ما. كأنني في فصل الشتاء، في إحدى ليالي ديسمبر. أسئلة كثيرة تتدفق في رأسي؛ أي شخصية سوف أتعرف عليها هنا؟ و أين هي؟ لماذا هي مختبئة؟ ربما لا تعلم بمجيئي ! تابعت المشي بحذر. فجأة، تسللت رائحة عطرة إلى أنفي ،رائحة أعشقها كثيرا. رفعت رأسي إلى سماء لتبدأ قطرات المطر بالنزول. شيئا فشيئا، بدأت الأمطار تشتد. فرحت كثيرا و قلت في نفسي:
- " سوف أتمشى كثيرا اليوم !!!"
لكن تذكرت أنني لا أعلم شيئا عن هذا العالم. و إذا مرضت كيف سأتصرف ؟ لذا، بدأت أبحث عن مكان أحتمي فيه من المطر. بعد بحث قصير وجدت سقيفة، تبدو قديمة، لكنها تفي بالغرض. جلست فيها أتأمل هذه الأمطار الغزيرة حيث طيات المطر ترقص على الأرض، وكل قطرة تبدو وكأنها تحمل أسرار الزمن. و أملأ رئتاي بهذه الرائحة المنعشة. و قلت في نفسي:
- " سبحان الله، كائنات مجهرية تعيش في التربة تنتظر هطول الأمطار حتى تصدر هذه الرائحة المبهجة !"
بقيت أنظر و أفكر "يا ترى من سوف أقابل؟ و كيف ستدعني هذه الأمطار أكمل بحثي؟" بدأت اتأمل السقيفة فلفت انتباهي اقتباس مكتوب بخط عريض
أيَا وًجْهَ صُبحٍ يَبُثُّ الهُيَام..
يا خَيرًا يَهِّلُّ كقَطَرِ الغَمَام..
بقيت أردد في هذه الكلمات و قلت في نفسي كلمات مألوفة ! مهلا لحظة !! أظنني عرفتها !! و هذه الأمطار إنها إشارة واضحة. كيف لم تخطر ببالي؟ إنها .. إنها رواء المطر. لكن، أين هي؟ فجأة، سمعت صوتا من خلفي يقول :
- "أنا هنا"
قفزت من مكاني واضعة يدي على قلبي. و قلت:"
- لقد أخفتيني يا ر.. "
قبل أن أكمل كلامي وضعت يدها على فمي و قالت :
- "لازلت أريد التحدث معك. لا تستعجلي الرحيل"
اعتذرت منها و نكست رأسي أرضا. ابتسمت و قالت:
- " لا تنحرجي. أي شخص في مكانك سوف يفعل نفس الشيء. تعالي و عانقيني"
عانقتها. و فجأة شعرت بشعور غريب يراودني، لا أدري كيف أصفه. لكن، ذلك الإحساس الغريب كان يسري بجسدي كاملا. ابتعدت عنها قليلا، و قلت :
- "فجأة شعرت بشعور غريب لا أدري كيف اشرحه لك"
نظرت إلي و الدموع في عينيها. مددت يدي و مسحت دمعها و قلت :
- "لا تبكي يا غالية. فالدموع لا تليق بفتاة مثلك و لو كانت دموع فرح. أنا فقط لا أدري ماذا حدث معي لهذا ابتعدت حتى لا ينتقل إليك"
ابتسمت الفتاة و قالت:
- " يا لك من طيبة تخشين علي حتى من نفسي"
استغربت من كلامها و أردفت الفتاة بابتسامة دافئة :
- "أنا رواء المطر، حارسة الأمطار والأحاسيس. و كل مشاعري و أحاسيسي تنتقل مني إلى شخص آخر. لكن، يجب علي أن أطلب إذن ذلك الشخص أولا. لكن، أنت .. "
مسحت دموعها و أكملت :
- " أنت مختلفة. لم أطلب منك شيئا و لم أخبرك بشيء. لكن طيبتك و نقاء قلبك حمل الحزن الذي كان يثقل قلبي عندما عانقتك. رغم الحزن الذي يختزن في قلبك حملت حزني دون تردد أشكرك لأنك جعلتني أشعر بالراحة دون أن أطلب ذلك منك و هذا ما أسعدني كثيرا يا خولتي"
اندهشت و قلت لها:
- " لم نطقت اسمي؟"
ردت علي:
- " أريد أن أشكرك على ما فعلته معي و أجعل رحلتك أسرع"
غادرت الفتاة السقيفة بعدما نطقت اسمي، بينما أنا بقيت أتذوق نقاء الهواء وأشعر بأنني حملت معي شيئًا خفيفًا من رواء المطر قبل أن أختفي كليا من هذا العالم. و كانت آخر لكلمات لي في هذا العالم
- "رواء.. بحر من قصص و حكايا تسيل مثل الأمطار التي تروي الأرض"
بدأت الأمطار تتلاشى لأجد نفسي في مكان أشبه بالحديقة. أزهار من كل الأنواع. جلت ببصري في الأرجاء و بابتسامة واسعة قلت:
" و أخيرا مكان على ذوقي"
![](https://img.wattpad.com/cover/358447457-288-k942144.jpg)
أنت تقرأ
رحلة الهوية: رحلة فتاة للبحث عن الذات عبر أسماء منسية
Adventureفتاة تدخل إلى عالم مختلف كله أسرار و غموض و ذلك من أجل إنقاذ نفسها من الخوف. ... كانت الفتاة ممدة على سريرها ، وجهها شاحب كأنها محاطة بأجواء الموت، وعيناها تبكيان أمطارًا من الحزن والألم وصوتها الحزين يخترق قلوب الحاضرين الذين تجمعوا حولها في ظل هذه...