في حضرة السلطانة

57 18 4
                                    

سحبني ضوء غريب نحو المرآة ألقى بي إلى عالم آخر. نظرت حولي و الدموع في عيناي. و قلت:

- " ماذا فعلت؟ لا يمكن !"

نظرت حولي و كأنني داخل لوحة فنية تحكي قصة الماضي والحاضر. المنازل تحف معمارية، تنتشي بتفاصيل مورقة ونوافذ بأشكال خلابة، تعكس روح الحقب المختلفة التي مرت عليها هذه البلدة الرائعة. هناك أثر عربي مع فناء داخلي مفتوح للسماء مزين بنباتات خضراء تحيط بنافورة ماء، بجانبها تنبت الأزهار الملونة التي تضيف جمالا لا يوصف. إنها قرطبة إذن لقد نجحت و صدق حدسي. و الآن المهمة الأكثر صعوبة الوصول إلى السلطانة !! انزويت بعيدا عن الأنظار أفكر في طريقة للوصول إليها. و قلت في نفسي :

- " هيا يا مفكرة جدي حلا: ضحكت من نفسي و قلت:: مفكرة، هه لولا تسرعي لحظيت بالكثير من لطافتك يا لؤلؤتي. لكن لا تقلقي سوف أبحث عنك مرة أخرى لدي الكثير لأحكيه لك"

تنهدت تنهيدة كلها حسرة على حالي. فجأة، رأيت جنديان واقفان في وسط الساحة و الناس تتجمهر حولهما. فذهبت أنا أيضا لكي أعرف ماذا يجري. فتحت أحدهما مخطوطة و بدأ يقرأ ما فيها قائلا:

- " السلطانة مريضة، و لم يفلح أحد في علاجها. و مولاي السلطان يعد كل من يكشف سبب علتها بثروة هائلة. و من أضاع وقتنا فصلنا رأسه عن جسده !"

سمعت الخطاب، و قلت :

- " علي المخاطرة و استغلال الفرصة !!!"

ابتلعت ريقي بصعوبة، و قلت بأعلى صوتي:

- " أنا .. أنا سوف أكون طبيبة السلطانة ! "

بدأت الحشود تتنحى جانبا حتى ظهرت. و قال أحد الحارسين باستعلاء :

- "و أي علم أوتيت؟ حتى تنصبي نفسك طبيبة للسلطانة !!"

ضحك الجندي و شاركه صاحبه قائلا بازدراء:

- " رعاع القوم صاروا يلقبون أنفسهم بالأطباء !!"

شعرت بالغضب و صحت فيهما بشدة:

- " أوتيت من العلم ما ليس عندكما ! ثم ماذا تكونان وزيرين أم مستشارين؟ أنتما لستما سوى جنديان؛ كلفكما السلطان بمهمة و هي أن تحضرا من يداوي السلطانة. و ليس أن تحكما عليه. بأي حق تتكلمان؟ فقط لأنني صغيرة؟ أم لأنني فتاة ؟"

تسمر الجنديان في مكانهما من كلامي و قالا بلهجة آمرة:

- " هيا تحركي أمامنا !! "

قلت:

- " لما ؟! هل امسكتماني أقطع الطرقات أم انهب الممتلكات؟ لن تسيرا خلفي و إنما أنا من أسير خلفكما. لن أهرب فأنا من قدمت نفسي"

أحس الجنديان بالشماتة و سارا نحوه قصر السلطانة و أنا اتبعهما. أحكمت قبضتي على يدي حتى لا تظهر ارتجافتهما. ما إن دخلت القصر، تمتم الجنديان شيئا للسلطان نظر إلي نظرة خاطفة و قال:

- " اتبعيني"

فتبعته بصمت إلى أن وصلنا إلى غرفة كبيرة؛ اتضح فيما بعد أنها غرفة السلطانة. كانت مستلقية على ظهرها شاحبة الوجه. استئذنها السلطان في الدخول و قال:

- " هذه من تطوعت لعلاجك سوف أتركك معها"

خرج السلطان و تركني مع السلطانة. نظرت إلي بتعب و قالت:

- " لقد جئت كنت في انتظارك"

أمسكت يدها و قلت :

- "أنا هنا من أجلك. سوف أساعدك و أعالجك. لكن، أخبريني ماذا أكلت قبل مرضك؟ يعني هل تناولت شيئا على غير العادة؟ فأغلب الأمراض مصدرها الطعام"

بعد تفكير عميق أشارت إلى خادمة كانت معنا في الغرفة فأحضرت طبقا. و لما كشفت عنه الغطاء ظهر جبن عليه بعض البقع الزرقاء و أشارت إليه السلطانة بوهن قائلة:

- " تم إهداؤه لنا من قبل احد السفراء"

تفحصت قطعة منه و قلت:

- " تسمم غذائي و تحتاجين إلى مضاد حيوي"

نظرت إلي نظرت يملؤها عدم الفهم. ربتت على يدها و قلت:

" لا تقلقي سوف أعالجك لن ادعك تعانين لكن أحتاجبعض المعدات !!"


رحلة الهوية: رحلة فتاة للبحث عن الذات عبر أسماء منسيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن