بقيت أتجول بين الأزهار. و من بعيد لمحت فتاة ترتدي النقاب، جالسة بجانب أجمة من الجوري الأحمر. وبيدَها، تحمل رواية كأنها كنز قديم يحمل في صفحاته أسرار الحياة. لم تكن الكلمات وحدها التي تعكس عبقريتها، بل كانت العواطف تتسلل من بين صفحات الرواية، تجعلني أتساءل عن القصص الخفية التي تختبئ خلف تلك العيون الباحثة فبدأت بالسير نحوها. نظرت إليها بتمعن و كانت تبتسم أو هكذا خيل إلي. لقد كنت حائرة، هناك شخصيتان بهذه المواصفات لكن أي واحدة منها؟ بقيت أتأمل، هل سأجد دليلا آخر؟ لأنني لا استطيع السؤال؛ إذا نطقت اسمها تلاشيت دون أن أعرف الحكاية. بدأت أفكر قليلا و انظر جيدا فيما حولي. أول ما فكرت فيه أن أمعن النظر في عنوان الرواية فاسم الفتاة التي خطرت ببالي عنوان لرواية. لكن للأسف لم أستطع الاقتراب أكثر فهذه وقاحة. بعد لحظات من التأمل. رأيت كوبا من القهوة. لحظة، بل هما كوبين !! دون أن أشعر قلت بصوت مرتفع :
- "هل يعقل أن تكون هذه المرة شخصيتين؟"
قالت إحداهما :
- " نعم سكرتي"
خجلت من نفسي لأنني كنت أسترق النظر. و بعد لحظات جاءت الفتاة الأخرى بنقابها ذو لون أزرق هادئ. كانتا تبدوان من الأميرات. رائحة الجوري و رائحة القهوة تتناغمان في الهواء، خلقتا لحظة ساحرة من الاسترخاء والجمال. يتداخل عبق القهوة القوي بلطف مع عبير الجوري الناعم، ملتقطين قلوب الحاضرين في رحلة عاطفية عبر الحواس. تتأرجح الروائح معًا كلمحة فنية، تخلق أمواجًا من الدفء والسكينة، تجعل من هذه اللحظة لحظة لا تُنسى في طيات الذاكرة. تلألأت عيوني و قلت:
- " يا لها من مفاجأة أن أجدكما هنا يا غاليات"
و قلت في نفسي إيناس و خديجة ليتني كنت يوما مثلكما وضعت الفتاة إيناس كتابها، و قالت:
- " هيا تعالي معي في جولة لتمتعي نظرك بأزهاري"
تبعتها و أنا أمعن النظر في كل هذا الجمال الرباني. و قلت مستغربة :
- "ما أكثر الجوري !!"
ردت قائلة :"
- أحبه و أعشقه. أشعر أنه أنيس وحدتي هنا"
بقينا نسير جنبا إلى جنب إلى أن وصلنا أحواض الجازانيا. فجأة صحت :
- "جازانيا مشعة ؟!"
تساءلت الفتاة إيناس:
- "ماذا؟ أين؟"
أشرت إلى حوض كان مليئا بأزهار الجازانيا المشعة. نظرت اليها نظرة تعجب و استفهام و قالت :
- "قمت بسقيها هذا الصباح ! لم تكن مشعة أبدا"
تساءلت:
- " أي نوع من السماد تستعملين؟"
ردت:
- " السماد الكيماوي المعروف (أزوت-فوسفور-بوتاسيوم). لكن أول مرة يحدث هذا !!"
بقيت أنظر إليها مستغربة و سألتها :
- "هل قرأت الصيغة الكيميائية؟"
- لا. فليست هذه أول مرة أستعمله !
- ربما كان يحتوي على الفوسفور المشع بدل الفوسفور المستقر ؟
- ماذا تقصدين ؟! لا يمكن فعمر نصف تفتت الفوسفور يتراوح ما بين خمسة عشر يوما إلى خمسة و عشرين ! لو كان مشعا لظهر في غرفة التخزين.
- كلام منطقي. لكن، ربما تفاعله مع الخلية سبب هذا الإشعاع !
- لا أعتقد هذا. حتى أن كان هذا صحيحا فأنا استعمل تقنية التسميد بالري
قلت في حيرة من أمري :
- "هذا يعني لو كان المشكل من الفوسفور كان سيظهر في بقية الأحواض"
- نعم. هيا لنبتعد عن هذا الحوض و لنفكر في أمره لاحقا.
سرت خلفها و سر ذلك الحوض لازال يشغل تفكيري. انضمت إلينا خديجة و لاحظت حيرتي، و قالت لكي ترفه عني :
- " هل تعلمين أن السلطانة قد أكملت عامها السادس عشر؟ صحيح أنها صغيرة السن. لكن، لها رجاحة عقل فاقت سنها بكثير. اسأل الله أن يحفظها بما حفظ به يونس في بطن الحوت"
نظرت إلي و قد لاحظت شرود ذهني. و قالت:
- " ما بك عزيزتي؟ ما يشغل بالك؟"
بعد لحظات سألت:
- " كم عدد الأزهار في ذلك الحوض؟"
بدأت إيناس تفكر، ثم قالت بدهشة:
- " ست عشرة زهرة !! "
فأضافت خديجة:
- " ما هذه المصادفة ؟! تماما مثل عمر السلطانة !!"
فتحت عيناي بذهول. و بدأت بالجري نحو الحوض و أنا أردد:
- " لقد وجدتها !"
لوحت للفتاتين و قلت لهما:
- "دعواتكن عزيزاتي لقد وصلت لمبتغاي"
سمعتهن تعلن من بعيد و بصوت واحد:
- " امنك الله من كل شر غاليتي"
بدأت أربط الأحداث في ذهني. أزهار الجازانيا المفضلة لدى السلطانة كيف غاب هذا عني. ما أن اقتربت إلى حوض زادت ثقتي بما توصلت إليه. لقد كانت الأزهار مرتبة على شكل حرف M !! إنها هي لقد اقتربت من الحقيقة. مددت يدي إلى الزهرة الأكثر اشعاعا و قلت في نفسي أنا قادمة سلطانتي. وجدت نفسي في مكان تلفه المرايا من كل جانب. فجأة بدأت تظهر الكتابات بشكل تدريجي على الجدران. و كان أول ما ظهر:
" اختاري مرآة واحدة كوني حكيمة في قرارك إما الفوز و الوصول للمبتغى و إما الخسارة و النزول للمنفى"
ابتلعت ريقي بصعوبة و بدأت أنظر حولي قررت أن اتبع قلبي مددت يدي نحو إحدى المرايا و قلت :
- " هذه ! أنا اختار هذه المرآة"
تشكلت الحروف على الجدار و كان ما كتب:
" قرار لا رجعة فيه فليكن كما أشرت"
سحبني ضوء غريب نحو المرآة ألقى بي إلى عالم آخر. نظرت حولي و الدموع في عيناي و قلت ماذا فعلت لا يمكن
أنت تقرأ
رحلة الهوية: رحلة فتاة للبحث عن الذات عبر أسماء منسية
Adventureفتاة تدخل إلى عالم مختلف كله أسرار و غموض و ذلك من أجل إنقاذ نفسها من الخوف. ... كانت الفتاة ممدة على سريرها ، وجهها شاحب كأنها محاطة بأجواء الموت، وعيناها تبكيان أمطارًا من الحزن والألم وصوتها الحزين يخترق قلوب الحاضرين الذين تجمعوا حولها في ظل هذه...