2. رؤى

5 0 0
                                    


كُنت أجلس في بهو الجامعة، وحيدًا كعَادتي، وكلّ تفكيري منصبٌ حول مصاريفي الدراسية والقسط الشهريّ للإيجار. فمنذ تحوّلي إلى العاصمة وأنا أنتقل من وظيفة إلى أُخرى، بما يتوافق مع جدولي الدراسيّ بين كلّ فترة. لكن في الآونة الأخيرة، شَهِدَت البِلادُ كسادًا ورُكودًا شَدِيدَيْنِ. جَعلتْ أمر تأمين وظيفة ثابتةٍ ضربًا من الاستحالةِ، فما بالك بالعُثور على وظيفة مؤقتة تتوافق مع جدولي الدراسيّ. وبينما كنتُ في حيرت من أمري، مرّت هي، مشتتة كلّ تفكيري. هيفاءً ممشوقة القد. وخُطاها كأنه نقر على سطح الماء. وأصابعُ يدها كأنها منحوتة من العاج. والأنامل في حمرتها كالورد. وأمّا شعرُها ليس بمسدول ولا مشدود بل على شكل ربطة الفرس. تسبقه هي، فيلحقها، وهي تبتسمْ. لقد أحببتها مذ رأيتها أوّل مرّة، وأظن أنّ قلبي، الأحمق، لا يزال يخفق بحبّها. ولكن، كيف أنسى تلك النظرة الدونية، حين وقفتُ على طاولة المطعم أدوّن طلباتها وعائلتها، وأُلبي رَغَبَاتِهِمْ في تلك الأُمسيّة المشؤُومة. "إنّه زميلي في الدراسة" قــالت. لم يرفع أبُوها نظرهُ حتّى عن قائمة الطعام: " يبدو أنّ نقلكِ إلى جامعة 'دورهام' أصبح ضُرورةً حتميّة. فما الجدوى من الاختلاط بكذا مجتمع طُلابيّ". ثمّ أضاف: " أنا لا أحمل ضغينة نحوكَ يا فتى. لكن سُبُلُنا ليس من المفترض لها أن تتقاطع". وحين نظرتُ إليها كانت ترمقني بنظرة هي بين التأسّف والشفقة. التزمتُ مقَامي مِن يومها، ودفنتُ مشاعري ناحية رُؤى.    

مخاض الهويةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن