الجزء السادس عشر

329 50 17
                                    

دخلت غرفتها التي اتخذتها ملجأ بعد صدمة الليلة الأولى. تركت له المخدع الرئيسي و نزلت بغرفة مجاورة ملحقة للجناح لا يفصلها عنه إلا باب ارزي الخشب. يفترض أن تكون للاطفال حسب التصاميم الحديثة المتبعة.

جلست مرهقة من أعمال اليوم و استحضرت كل ما مر عليها بمرارة. صحيح انها تدعي القوة و تقف أمامه بشموخ مفوتة عليه فرصة الشماتة بها، لكن داخلها متالم موجوع محطم.

أنه أول رجل يدغدغ مشاعرها مذ بدأت تحس بأنوثتها و تتحسس طريقها. أول رجل ينجح في ولوج قلبها و لو من الشق البسيط الذي كان منبلجا. ليتها ما تركت شقا، ليتها ما أعطت املا، ليتها و ليتها و ليتها... انتهى بها الأمر خادمة في بلاطه بين حشد من الخدم تتبع جدول عمل يضعه مدبر القصر جنكار.

تنهدت بحسرة و ما نفع الحسرة أمام مرارة الوضع. تكابد أمامه حتى تحفظ ما بقي لها من ماء وجه بعد بشاعة ما اقترفت اختها و فضاعة ما فعل ابوها. فقد أصبحت متأكدة أنه سرق و أن يمان عفى عنه حتى يسهل الوصول إليها و الانتقام منها.

رفعت راسها و تأملت وجهها الجميل الذي غطته الدموع حتى استحال احمر كرزا. تبكي بصمت لكن تصر أن لا تستسلم. ستكون كما كانت دائما جمرة ملتهبة مهما حاول اطفاءها. ستعتبر هذا الزواج الذي وضعت فيه كل ذاتها، مجرد صفقة، تحاول أن تخرج بها باخف الأضرار و اكبر المنافع: غدا ستنطلق في تحقيق أحلامها كما خططت لذلك بالتفصيل.

كانت الساعة تشير الي الحادية عشر صباحا حين نزل يمان من المكتب الملحق أيضا بجناحه. لقد آثر اليوم متابعة أعماله من المنزل. اسرع مدبر القصر المقرب جنكار يقدم له القهوة في الصالون الرئيسي فقال بعد أن بحثت عيونه عنها في كل مكان و لم تطلها

"لماذا لم تقدم لي السيدة قهوتي"

جنكار بهدوء "السيدة خرجت منذ الصباح الباكر"

صعق يمان و اضلمت عيونه "كيف ؟ و الي اين؟ لماذا ليس لي علم؟"

دخل نديم في نفس اللحظة يحمل بعض الملفات و قاطع إجابة جنكار

"زارتني صباحا في مكتب العاصمة و اوصلتها للجامعة."

جن جنون يمان فقال و هو يحوم حول المسكين نديم كصقر ناهش

"لماذا زارتك؟ لماذا اوصلتها للجامعة؟ لماذا ليس لي علم؟ هاه!!!"

اخذت عيون نديم تلعب في محجرتيه بخوف ورد مستغربا هجوم يمان عليه

"صرفت لها القسط الاخير من مستحقاتها المالية و طلبت هي تحويله لتغطية مصاريف تكوين كيراز. فقد سلمت اليوم التصميم النهائي لمكتب الجزيرة كما أمرت و كان غاية في الروعة حتى أنه حصل على إشادة واسعة من لجنة الهندسة المدنية و المعمارية بشركتنا"

زاد غيظ يمان و هو يفكر كيف أنها لم تتخلى عن مشروعها البسيط رغم أنها أصبحت زوجته و يفترض أنها يجب أن تكون قد رسمت لكيفية انفاق ثروته و ليس لكيفية تصميم مكتبه و ايضا  تدفع ثمن التكوين الذي تتابعه كيراز. ماذا تعني بذلك؟ أنها لا تحتاجه, لا تريد منه شيئا؟ هذه الجمرة ستصيبه بالجنون. لقد أصبحت زوجته رسميا حتى لو أنكر و لها كل الحق في تبذير ماله فمالذي تنتظره لتفعل؟

الجمر الباردOù les histoires vivent. Découvrez maintenant