الجزء التاسع

262 46 10
                                    

رحل يمان و رحل معه فكرها. هذا الرجل يحاوطها من كل مكان، يخنقها لكن، خنق الأكسجين لمريض الربو. عرفته في مدة قصيرة و رأت منه مواقف كبيرة.

حثت الخطى نحو منزلهم لا تلوي على شيء و لا تكاد تصدق أن الرجاء و الامل تحقق بدون جهد. لقد حسبت أنها ستفتش عن إبرة في كومة قش حين قررت البحث عن كيراز في العاصمة أنقرة حتى خيل إليها أنها فقدتها الي الابد و أن احتمالية لقاءها من جديد شبه معدومة.

غشت الدموع عيونها الزمردية و هي ترى كيراز ماثلة أمامها تحتسي قهوة مع نديم مساعد يمان فخنقتها العبرات و أسرعت ترتمي على اختها الكبرى بلهفة تقبلها قبل الام لوليدها الاول.

ثم سرعان ما انسحب نديم تاركا الاختين تثرثران قبل أن يصل والدهما. حرك سيارته و هو يتذكر الفتاة الجميلة ذات العيون الزرقاء التي كلف رجاله بمهة مراقبتها و اختها بأمر من يمان فاستطاع الوصول لها بسرعة حين اختفت بين الزحام.

اما في المطبخ فقد جلست سحر تؤنب اختها بلا هوادة
"كيف تفعلين بي هذا بعدما فعلت ما فعلته معك"

كيراز "أنا آسفة يا سحر"

سحر باستغراب "آسفة! آسفة! لقد خسرت كل مدخراتي في هذه الرحلة الخاطفة الفاشلة. لم استرجع قرشا من المصحة التي لم تجري لك العملية اصلا و كدت اخسرك ايضا. هل جننت يا كيراز؟ لماذا فعلت ذلك بنا؟ لماذا قبلت السفر معي ما دمت تبيتين الهرب"

كيراز باسف"كنت اريد بلوغ العاصمة بأي ثمن و بعدها..."

سحر "و بعدها؟ لماذا أردت الوصول للعاصمة؟... اه لا تقولي لي أنني خسرت كل ما معي فقط لأن هدفك الذهاب لانقرة لعائلة يلتشين!!!"

كيراز "رحمه الله! قولي رحمه الله"

سحر و قد بلغ بها الجنون مبلغا "لارحم الله له عظما و لا لحما. فليخلد في الجحيم حتى. أنا لا اصدقك، يا الهي! أنا في ماذا و انت في ماذا؟"

كيراز مستاءة"الله الله، عيب يا شقية عيب. غادرت للبحث عن عائلته لاخبرهم بأمر الجنين. ركبت تاكسي و بحثت عن العنوان الذي أخبرني به يلتشين رحمه الله ف... ف... اعني ..."

سحر باستهزاء "فلم تجدي هذا العنوان و لا وجدت عائلة أليس كذلك"

طاطات كيراز رأسها و قالت "كيف عرفت؟"

استسلمت سحر لطيبة اختها التي بلغت السذاجة و لوت شفاهها متبرمة ثم قالت "المهم انك عدت. لكن لم يبقى معنا مال و لا حتى لناكل بينما انت حام... اه يا الهي أنا عاجزة حتى عن نطقها"

اثناء استراحة الغذاء جلس نديم يقابل يمان في افخم مطاعم الجزيرة يتناولان الطعام بصمت قبل أن يكسره نديم قائلا "العمدة لم تتأخر قيد أنملة، لقد امضت الصباح في إجراءات نقل ملكية أرضها لك. اخيرا حصلت على ما تصبو اليه، سلمتك أرضها سرع و اسهل من ما توقعت"

يمان "أنه سحر المال. لكن هذا غير كاف، اريد المركب أيضا باي ثمن."

نديم "لا اعرف سر اصرارك على مركب العمدة البسيط القديم بينما لديك أسطول صيد هو الاحدث اطلاقا."

يمان "ذلك المركب البسيط اهم عندي من كل الأسطول. و ساخذه من الحقيرة بطريقتي الخاصة. اريد منك أن تفعل اللازم لتعيب المركب دون أن يتضرر. سيدخل الصيانة و هناك يخبرون العمدة أن تكاليف صيانته باهضة جدا، و لا مانع من أن تجعل العمدة تدفع رقما فلكيا يفلسها، دون أن تحصل على نتيجة. سيطول عليها الأمد و تخسر حتى لا تبقى لها طاقة على الخسارة و حينها يأتي دورنا"

نديم و هو يستوعب أوامر يمان "خطة محكمة"

اكل لقيمات ثم عاد يقول "بخصوص سحر اوغلو،الان لقد عادت كيراز و هي على ما تحدثت معها فتاة بسيطة طيبة تدخل القلب بسهولة و أكدت لي أن هربها كان للبحث عن عائلة المرحوم يلتشين. اي انها تحاول بجميع الطرق منع اختها من الإجهاض"

تأمل يمان الأفق البعيد و قال "تلك الجمرة المتقدة عنيدة صلبة من الداخل رغم الجمال و النعومة التي تحيطها من الخارج"

رفع نديم رأسه متعجبا. انها اول مرة يسمع فيها يمان يصف امرأة بالجمال و النعومة.

تشجع و قال "احسب أنها لن تجهض و بالتالي لا داعي للتفكير في مسألة الزواج منها انتقاما..."

ضرب يمان الطاولة بعنف و صاح "بل هناك داع. اريد الانتقام لابني خالتي مهما كان الثمن. و الزواج سيتم برضاها أو رغما عنها"

بهت نديم من ردة فعل يمان الغريبة  فالموضوع لا يستحق كل هذا العنف

فاستطرد "تمام تمام، فقط هل انت متاكد من أن هذا انتقام. اعني كل الخطط التي حكتها حول والدها و سليم و اختها و العمدة، كلها فقط من اجل الانتقام"

ذهل يمان من السؤال و احس انه بالغ في فعله فهدا و اسرع يؤكد "طبعا، لقد كان يلتشين غال عليا"

تامله نديم غير مقتنع بالإجابة ثم مسح شفاهه بالمنديل و استأذن لعمله بينما عاد يمان يقطع اللحم في صحنه في صمت و ملل.

فجأة قطع وقوف سحر الي جانب طاولته السكون المزعج الذي كان يعم المكان الا من صوت موسيقى ركيكة يطلقها المطعم.

وقف قبالتها يتأملها باستغراب بينما تفرك أصابعها الصغيرة في وجل حتى احمرت احمرار خدودها الفاتنة. لاحظ أنها تزدرد ريقها بصعوبة مرات و مرات قبل أن ترفع راسها ليطالعه الزمرد المخفي بين جفنيها يلمع بتوهج و فتحت شفاهها الوردية الندية لتنطق الدرة التي طالما انتظر

"هل مازلت مهتما بالزواج مني... يمان ؟"

الجمر الباردOù les histoires vivent. Découvrez maintenant