الفصل الرابع

1.2K 16 0
                                    

الفصل الرابـــع

قد تكـون خلاياهـا الان تهلل لأخذ ثأرهـا، ولكن يبقى جانبهـا الأنسانـي يحزن من أجل تلك الصفعة الذي صبغـت العار والخزي وخاصةً امامهـا على وجنة ذاك الرجـل ...
كانـت عينـا " سليم " أقل ما يُقال عنها جمرتان من النيران تحترق الان !!!
لا تعـرف فتيل الاحتراق بدء من خوفـه عليهـا ام غضبه من ذلك الرجل
ام كلاهمـا ؟!
ولكن ما هي تعرفـه جيدًا .. أن نيرانـه ستسقط حتمًا على سماء فرحتها لتعكرهـا على الفور !!
وصـدح صوتـه القـوي هاتفًا بغضب تسبب بقشعريرة جسد كلاهما :
_ اية اللي أنت عملته ده ؟
كان الاخر ينظـر للأرض بخزي، قبل أن يحاول النطـق :
_ يا سليم بيه أنا بس كنت بمنعهـا تخرج
صرخ فيه بحدة مفتعلة :
_ ومن امتى انا بجولك اوامر بضرب الحريم يا صادق ؟
هـز " صادق " رأسـه نافيًا ليسارع مبررًا :
_ لا هي بس كانت عايزة تخرج بالعافية
ضغـط على قبضة يـده ليتابع بجدية لا تخلو من الحدة اللازمة :
_ ماتمنعهاش بالضرب، من متى وأحنـا بنضرُب حريم هه ؟
نظـر للأرض بحرج ليهمس :
_ حجـك عليا يا سَليم بيه
هـز رأسه ليقـول بعدها بصوته الأجش :
_ أنا مامديتش يدي عليك إلا عشان أعرفك أنها حاچة واعرة جوي إنك تضرب حد ماجادرش يردهالك، ما بالك بمَـرة بجى بتضربها !!؟
اومأ الأخـر بأسف مغمغمًا :
_ فهمت
وقاعـدة أخـرى تكتشفها في شخصيتـه الغريبـة من جميع النواحي
" يتحدث بالصعيدية عند الغـضب !؟ " ..
وشيئً ما لم تفهمـه ابدًا ..
كانت دائمًا القاعدة الوحيدة في حياتهـا - القاسي لا يبـرر - ولكن ماذا إن برر بعد العقـاب وقلب كل شيئ !!
لمَا لا فهو " الصقر " في مملكته الخاصة، فليفرض سيطرته اذًا ومقاليد حكمه على كل من يقطن معه .. ليخنقهم رويدًا رويدًا بمقاليده الحديدية !!!
ولكنها .. لن تكون معه ابدًا !
أستفاقت على صوته وهو يأمر الرجـل ببعضًا من الحدة :
_ أعتذر لها دلوجتِ
إبتلع الاخرى ريقه ليعتذر لها بضيق :
_ حجك عليّ يا أنسـة
اومـأت هامسة بحروف لم تتخط شفتيها :
_ خلاص مفيش حاجة حصل خير
كانت قدمها قد بدءت بنزف الدماء وهي تحاول التماسك امامهم ..
ولكن لا .. الألم اقوى من أي تحمل !!
فصرخت متأوهه :
_ مش قادرة رجلي
نظـر لهـا سليم لثواني، وفي لمح البصـر كان يحملهـا بين ذراعيـه المفتولتيـن ..
كانت دقاتها لم تهدء ابدًا ، وكيف تهدء وهي محاصرة بين ذراعي من لا يرحم دقات ولا غيرها ؟!
وعيناها البنية اصبحت ترمش كل لحظة، وكأنها تحاول إستيعاب ما حدث !!
ملمس يداه على جسدها تشعر بها تحرقها !!!!
تحرقها بالفعـل وتخدرها كأنها اصبحت لا تشعر بها !!
فهمست بتوتر ملحوظ :
_ نزلني لو سمحت
والاجابة كانت بكلمة واحدة حازمة :
_ لا !!
ولم يأبه لصدمتهـا او اعتراضها الذي كانت تبديـه ..
ولكن .. لأول مرة يجد رائحتـها تؤثر عليه، وكأنها تُسكـر روحـه !!
أغمض عيناه ينفض تلك الأفكار عن رأسه ليسير مسرعًا نحو .. غرفته !!!
وصل الى غرفتـه وكانت هي مغمضة العينين، تحاول جمع شتات نفسها المبعثرة من هجومه المفاجئ ..
لتشعر بنفسها اخيرًا قد وضعها على الفـراش، فحاولت إخراج الحروف عنوةً عنها :
_ أنت إزاي تــ آآ
قاطعها وهو يشير لها آمرًا :
_ أسكتِ
وبالفعـل إلتزمـت الصمـت ..
كلمة واحدة منه كانت كافية لجعل حروفها لا تتخطى شفتيها التي كادت ترتجف !!
إتجه للمرحاض الملحق بغرفتـه ليجلب الأسعافات الأولية ...
وتقدم منها بهدوء المعتاد - ما يسبق العاصفة - ليجلس بجوارها بمسافة واضحة ..
ثم بدء يعد الدواء والمطهر لتسأله هي ببلاهة :
_ أنت بتعمل أية ؟
اجابها بغيظ واضح :
_ أنتِ شيفاني بعمل أية ؟
إبتلعت ريقها بازدراء لتقول بعدها بشجاعة مزيفة :
_ لو كنت سبتني عليه كنت خدت حقي تالت ومتلت بس حظه إنك جيت وهو اعتذر وسمع الكلام
_ لا والله !
قالها وهو رفـع حاجبـه الأيسـر بسخريـة .. خُيـل له أنها استقبلت دفاعه عن مبدء ضرب الأنثى على وتيـرة خاطئـة ..
وتيرة مسارهـا يودي لطريق يكرهه !!
ليتنحنح مستطردًا بخشونة شابتها بعض الحدة :
_ اولاً هو سمع الكلام لإنه راجلي وبيحترمني مش مفكر إن مفيش حد اده !!
صمت بعدها ببرهه ليلقي بقنبلة إهانته القادمة :
_ ولما ضربته او قولت اي حاجة، ده كان دفاعًا عن مبدء ضرب الست نفسها، لكن مش عشانك إنتِ لإنك لا تعني لي شيئ اصلاً يا أنسـة !
إبتلعت تلك الغصـة المريـرة في حلقهـا بصعوبـة ..
هي من جلبت لنفسهـا تلك الأهانـة، ليداعـب جروحها المكبوتة التي حاولت مرارًا وتكرارًا اخفاؤوهـا ..
هي من دفعتـه ليقتلها بكلماته من مجرد حروف مميتة مثلت لها معنى الإهانـة .. وسقطت من سماء تخيالاتها وفرحتهـا لأرض الواقـع المريـر !!!
لتهمس وهي تومئ بحزن :
_ صح، أنا أسفـة
لا يعلـم لمَ شعـر بأطـراف ضيق تحتلـه !!
هو عادةً لا يهتم بأي شخص ..
ولكن لمَ الان .. تحديدًا مع تلك الفتـاة التي يرى فيهـا شيئ شفاف يجذبه نحوهـا ولو واحد بالمائـة ؟!
نفض تلك الأفكـار من رأسه وهو يجيبهـا بجمود يعكس ما بداخلـه من اهتيـاج ضيق برود وهدوء :
_ العفوا
نهضت فجأةً لتصرخ بألم ثم ترنـجت مكانها لتسقـط عليه وهو ينهـض
اقترابها منه لهذا الحـد يفزعها حرفيًا !
واختلطـت انفاسهم المضطربة من ذاك القـرب، وزحفت الحمرة تلقائيًا لوجههـا بينما هو في عالم اخـر ..
عالم سارح فيه في بحر عيناها البنية الذي لم ينتبه له من قبل !!
وافاق من شروده على دفعتها الضعيفة وهي تحاول النهوض قائلة :
_ أسفة آآ ..
قاطعهـا وهو يقول مشاكسًا :
_ ماخدتيش بالك مش كدة ؟
كادت إبتسامة تنفلت منها لتشق طريقها لشفتاها الورديـة ولكن منعتهت بصعوبة لتومأ بعدها ببلاهة :
_ أيوة
استقامت في جلستها لتجلس وهي تمسك بقدمها التي عادت تؤلمها من جديد وجلس هو لجوارهـا ثم مد يـده يخرج الدواء ليضعه على قدمها ويبدء بدعك قدمهـا، وتلك المرة لمسته كانت أخطـر ..
وكأن فيهـا طيفًا من الاعتذار الرقيق على تلك الكلمـات !!!!
انتهـى ليقـول بعدها هادئًا :
_ خلاص تمام، ماتمشيش عليها كتير بقا عشان الجرح يلم
اومـأت كالقطة المطيعة وهي ترد :
_ حاضر
نهض ليغسـل يده في المرحـاض، بينما هي انتبهت للباب الذي تركه مفتوحًا - عن عمـد - وقد تأكدت أنها فعليًا في حماية صقر، ولكن آمـن وليس جارح !!!
جالت عيناها على جميع انحاء غرفتـه، التي كانت بالطبع يغلب عليها اللون الأسود، نظـرت لشهادات التقديـر التي كانت معلقة على الحائـط لتضـحك بصوت عالي كاد يخـرج منها وفجأة صدح صوته يقول :
_ بتفكرك بــ صعيدي في الجامعة الأمريكية صح ؟
حاولت كتم ضحكتها ولكن لم تستطع فانفجـرت ضاحكـة ومن ثم هتفت من بين ضحكاتها :
_ بصراحة اه، اللي يشوفك وأنت بتزعق لصادق ده تحت بالصعيدي وبتقوله
" من متى وأحنا بنضرُب حريم يا صادق "
مايعرفش إنك دارس في امريكا خالص يعني !
وشيئً اخر لم ينتبه له منذ أن رآها
" ضحكتها الساحـرة " !!
يُفترض الغضب في تلك اللحظات، ولكنه ليس بخطأه إن سيطر الشرود على خلاياه كليًا !!!!
لتابـع مبتسمًا نصف ابتسامة :
_ بتحصل في أحسن العائلات
وفجأة عاد لجديته وهو يأمرها مشددًا على كل حرف :
_ يلاا عشان تلحقي تريحي رجلك عشان هنروح مشوار النهاردة بليل كدة
إبتلعت ريقها بازدراء ..
وطيـف خوف حقيقي داعبها، ماذا سيحدث !!
ولكن ما يحيرها بدرجة كبيرة
كيف يساهم في اخفاءهـا ويتعاون مع هؤلاء الحمقى ثم يرغـب في التأكد !!!؟
وسمعـت صوتـه يقول :
_ يلاا مستنية أية ؟!
نهضت مسرعة وهي تجـر أزدال خيبتهـا ... !

شظايا قسوته بقلم رحمة السيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن