الفصل التاسع

978 15 0
                                    


الفصل التــاســع

وبالطـبع لم يكـن الوقت من نصيب التفكيـر إطلاقـــًا، فركـض بأسرع ما يملك نحوهـا، ليجذبها نحوه في لمح البصر ..
فسقطـت هي بأحضانـه بعيدًا عن السيارة التي لم تتوقـف من الأساس !!!!
كـان ذلك في وقت لم يتعدى الثواني !!
ثواني حُسبـت في عداد الرعب الحقيقي، رعب أحتل كيانها كليًا وهي ترى الموت على حافة حياتهـا يقترب منها !!!؟
ودون أن ترى ما تحبهـم ...
دون أن تتـوب الي الله في كل شيئ ..
دون أن تستغفر عما سبق حتى ؟؟!!!
بينمـا هو... لحظـات مـرت وهو مغمـض العينين، والقلق الحقيقي يعتصـر قلبـه في قبضتـه المميتـة !!
لحظـات مـرت عليه كنسمـات الهواء ساحبـة منه كل ذرة من الهدوء والارتيـاح !!!
واخيرًا أستعاد قليلاً من هدوءه المتوجس فسألها :
_ إنتِ كويسة يا سيلا ؟
عينـاها تنفـي .. والقلب يجهـر بالاعتـراض، هذه اللحظات المحملة بالموت لم تمر بسهولة هكذا !!!
ولكن شفتاها عارضت وهي تؤمئ :
_ ايوة، كويسة
تنهـد بقوة مستعيدًا هيئته القويـة، لينهـض واقفًا، مد لها يـده .. فنظـرت نحو يده مرة، ونحوه مرة ...
والتردد لم يستطـع اختراقهـا فأطاعت نظراته ومدت يدها تضعها في يده ..
قد تكـون تلك مجرد حركة مباغتة منها، ولكن بالنسبة له هي حركة أثبتت شيئً واحدًا
" هي لا ترفضه .. ترفـض قسوتـه فقط !! "
سألهـا مشاكسًا وهم يسيروا :
_ بتحبي الجري اد كدة ؟
شق وجـهها نصف ابتسامة محرجـة، فأطرقت رأسها مجيبة :
_ يعني
ابتسم وهو يتـابع قاصدًا لومهـا :
_ كنا هنـروح فشوش اهو عشان تجري كويس
رفـعت كتفيهـا وقالت بتلقائيـة :
_ أنا بس اللي كنت هأموت، إنت جريت عليا لية !؟
صمت عن الكلام وحدق بها بتلقائية مماثلة !!!
وتمتم بداخله
" اسكـتِ !! "
وتلقائيتهـا كانت سببًا لسـؤال يفقد اجابتـه !!
لمَ أنقذهـا ؟! لمَ ركض نحوهـا ؟!
لمَ منعهـا من ذكـر المـوت على لسانها ولو على سبيل المـزاح ؟!!!!
اسئلـة كثيرة تتزاحـم بعقله طالبـة التفسيـر، ولكنه بالطبع .. لا يرغبـه !!
أبعد يده عندما لاحظ وقال ببعضًا من التوتر :
_ معلش
سألتـه ببلاهـة :
_ معلش إية ؟
إبتلـع ريقه ولم يجد سوى القسـوة سبيلاً يتخـذه، فأردف :
_ سيبك من ده كله، إنتِ مفكراني نسيت إنتِ كنتِ عاوزة تعملي إية من شوية
لـوت شفتاهـا بتهكم وهمست :
_ اوف لازم يرجع لطبيعته، اه امال إية ده الصقـر !!
سألها مضيقًا ما بين حاجبيـه :
_ بتبرطمـي تقولي إيـة ؟
رفعت كتفيها قائلة ببراءة :
_ مابقولش حاجة .. ابداً
كاد يبتسم ولكن منعهـا، وهو يسألها مرة اخرى بخشونـة :
_ إية مفكراني هعديلك دي كمان، الظاهر إنك خدتي على كدة عشان بعديلك حاجات كتير
فغـرت فاهها بصدمـة !!!!
بالأساس هي كانت تشك أنه يضـع جهازًا للترقـب لها، فيقابلها بإهانـة على الفور !!
الان يقول انه يتهاون معها ؟؟!!!!
لا والله لم يفعلهـا ...
قالتها في قرارة نفسها، ونظرت له متابعة بتهكم :
_ إنت كدة بتعدي لي، يا شيخ أتقي الله، ده انا لو عطـست من غير أذنك هتقولي إنتِ هبلة بتعطسي لية ماتنسيش نفسك إنتِ خدامة عندي
هـذه المـرة لم يستطـع كتم ضحكاتـه، فقهقه بمـرح على جملتهـا التي قالتها بعفوية ..
فيما كان التعجب من نصيبهـا هي هذه المـرة ...
وضحكته الجذابة كانت أكبر اداة لجذب انتباهها !!
ابتسمـت وهي تهمـس ببلاهـة :
_ ضحكتك حلـوة أوي
توقـف عن الضحـك لينظـر لها دون تعبيـر واضح، وكالعادة فشلت في تفسير ما بين سطـور عينـاه ..
بينما هي كانت تقريبًا شفافـة أمامه فغمـز لها قائلاً بخبث :
_ ضحكتي بس ؟!
أستعـادت جديتهـا، لتلعـن ذاك التأثير - الأحمق - الذي وضعها بموقف كهذا !!
فتنحنحت متساءلة بثبات مصطنع لتغيير الموضوع :
_ العربيـة لسة بعيد عليها ؟
اومـأ مؤكدًا ومن ثم هتف بغيظ :
_ ما البركة فيكِ إنتِ اللي خلتينـا نجري ده كله
ابتسمت باحراج احتل قسماتهـا ..
لتسمعـه يتساءل فجأة بهدوء غير مريح بالمـرة :
_ كنتِ عاوزة تخرجي لية ساعتهـا ؟
سألته بسذاجـة :
_ مش فاهمة، ساعتها اللي هو امتى ؟
اجابهـا بجدية :
_ يوم موضوع صادق، إية مفكراني نسيت ولا إية ؟
هـزت رأسها نافيـةً، وحاولت القول بثبـات فشلت في إظهـاره بسبب ذاك التوتر الفاضـح :
_ لأ، ده بس داده فاطيما قالت لي أشتري لها شوية حاجات
نظر لها بحـدة .. حـدة ظهـرت فجأة عند شعوره بكذبهـا، فصاح فيها :
_ كله إلا الكذب، إزاي الدادة فاطيمـا هتبعتك تشتري حاجات إذا كان في حد مخصوص للشـراء وبتبعته دايمًا، والبيت كله عارف إنك مابتخرجيش من البيت ؟
وعندمـا يحاصـرها بين كلماتـه المتيقنـة وبين حدتـه المعهودة ..
يبقى الصمـت هاويتهـا الوحيدة للهـرب ..
ولم تصـدق اذنيهـا وهي تسمعـه يقول متجهًا للأمام :
_ لما تحبـي تحكِ لي أبقي أحكِ يا سيلا، بس ياريت تسرعي في القرار ده، لإن صبـري بينفـذ بسرعة، وخصوصًا مع الكذب الكتير !!
ظـلت تنظـر لأثـره بصدمة حقيقية !!!
ها هو أثبت لها أنه يتهاون - فعليًا - أنـه حكيـم وعاقـل بالرغم من قسوتـه المعروفة ..
يظهـر لها طابــع اخـر يجذبها نحوه دون أن تدرى ...
وسؤالاً مخيف، بحروف متوجسة سألته لنفسها :
_ هو عرف أني بكذب ومش فاقدة الذاكرة ولا إية !!!!!!؟

شظايا قسوته بقلم رحمة السيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن