الفصل الثاني "سنذهب إلى مصر!"

102 13 62
                                    

رواية "عِيار من نوعٍ خَاص"

الفصل الثاني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يُمكن الطُرقات مُبعثرة و مُنحدرة بشدة لكن هُناك شُعاع طفيف يأتي من بعيد لو كُنتَ قوي ستلاحقه و لو كنت غير ذلك ستقع في بئر سحيق يسوده الظلام الحالك و لو عثرت على مخرج ستقع مرة أخرى فلا مفر من هذا.

توقفت السيارة أمام مدخل المقابر، انقبض قلب "ديفيد" عندما وصل لوجهته و عقله الأحمق لا يتوقف عن مشهد قتل عائلته، تنفس بعمق مُحاولًا التفادي من تلك الأفكار ثم التفت برأسه ناحية أخيه "أرثر" الذي يجلس بجانبه في الأمام، و لم يختلف حاله عن حال أخيه و البقيّة فجميعهم لديهم آلام لا يشعر بها أحد.

تحشرج صوت "يوهان" عندما قال بجدية عكس شعوره:

_ هيّا ترجلوا من السيارة.

أوما الجميع في صمت و ترجلوا ببطء و كأنهم يخشون المواجهة، أمسك "يوهان" كف "ديفيد" قائلًا بخفوت كالطفل الذي يُسرد أحزانه لأبيه:

_ أخي لا أريد الدخول.. سوف أظل هُنا.

أغمض أخيه عينيه و تنهد بتريث مُحاولًا الهدوء فهو يشعر بأخيه و كيف سيمر الأمر عليهم، ثم تشدق بجدية:

_ كُن أقوى من ذلك يوهان.

و بعد إنهاء جُملته شدد قبضته على كف أخيه يحثه على التحرك معه و كذلك الجميع ساروا واحدًا تلو الآخر للداخل، و بعد دقيقة في العثور على المقابر الذي تم حفظ مكانه عن ظهر قلب توقف أربعتهم أمام قبور أفراد العائلة، كل منهم يتذكر طفولته المُميزة التي لا يعرفون فيها الدموع مُطلقًا، يضحكون و يثرثرون و يتشاكسون، لم يتخيل عقلهم أن يأتي يوم يقفون هكذا أمام مقابر أحبتهم، يشعرون بالفقد الشديد لحنانهم، لعناقهم و حتى ابتسامتهم المُميزة، حرب قضت عليهم و أخذت كُل شيء يحبوه بقسوة دون الرحمة بهم، فكيف سيكملون طريقهم هكذا؟.

تقدمت "ديلما" أمام قبر والدتها "ريليان" و قالت ببسمة مُنكسرة:

_ كيف حالك أمي؟.. اشتقتُ إليكِ كثيرًا، أُريد عناقك الحنون كان يشعُرني بالدفء و كنت أيضًا أشعر أن العالم يبتسم لي و كيف لا و أنتِ كنتِ عالمي اللطيف الذي كنتُ ألجأ إليه و اتشبثُ بكِ.. و الآن عالمي ماتَ، لا يُعد هُناك دفء، لا يوجد حنان.. العالم اللطيف أنهار أُمي أمام عيني و أنا كنتُ عاجزة على إنقاذ ذلك العالم.. أقف أمامك و أراكِ على هيئة أتربة!.

بكت بحرقة شديدة أمام القبر و جثت على ركبتيها و قدميها لا تعد تتحمل وقوفها، ارتجفت عيون "يوهان" الذي كان يُحملق في "ديلما" بشفقة و يسمع دقات قلبه الصاخبة التي ترن باسمُها، يُريد أن يركض لها ويأخذها بين أحضانه و يقول لها "أنا أمانك" و لكن تراجع عن تلك الفكرة المتهورة و اكتفى في النظر لها.

عيار من نوع خـاصحيث تعيش القصص. اكتشف الآن