عودة غير متوقعة

24 11 0
                                    

أدم

استعجلتُ الخروج من بين ألسنة النار التي تسببت في تآكل جدران القصر الذي كان يوما يؤوي ثلاثة أفراد لم يلتقوا إلا قليلا وربما لا أبالغ حين أقول إن أوقات الوجبات هي الوحيدة التي كانت تجمعهم تقريبا.

وقفتُ أتأمل المنزل وهو يحترق وينهار إلى الأبد، ثم وجدتُ نفسي أفكر في الفتاة التي تركتها تحترق بين ألسنة اللهب في الداخل. إنها مجرد بورونية فلماذا أشعر بالذنب من أجلها؟

لقد حصلتُ على ما أردته. لقد برهنتُ لنفسي أنني قادر أيضا على التصرف بعدوانية الملفيكيين وقادرٌ على امتلاك وقاحتِهم وقبح قلوبهم، ولو كان والدي على قيد الحياة لشعر بالفخر.

هززتُ رأسي بقوة لطرد هذه الأفكار، ثم أسرعتُ بقدمي نحو المطبخ الذي يشكل غرفة منعزلة تبعد عن المنزل الرئيسي بحوالي العشرين مترا، حيث كان عليَ المرور بالحديقة التي لطالما شكلت الملاذ الوحيد الذي جعلني أشعر بالسعادة بين أحضان هذا القصر الكبير الذي لن يصبح له وجود بعد الان. بالطبع، لم تكن والدتي لتطلب التصميم بهذا الشكل إلا لسبب واحد...وهذا السبب هو سرنا.

من حسن الحظ أن قواعد ملفيك تفرض ذهاب الخدم إلى منازلهم في كل ليلة بعد انتهاء أعمالهم، عقدة السرقة دائما ما شكلت السبب. وضعتُ بجسد والدتي على إحدى الأرائك في المطبخ الكبير الفارغ، ثم قصدت المكان السري، وأبعدت السجادة بهدوء.

لم تتأخر الابتسامة في رسم ملامح وجهي حين سقطتْ أنظاري الزر الأسود.

ما أن ضغطْتُ على الزر المخبأ تحت السجادة الحمراء التي يُعتقد أنها تستعمل للزينة حتى حصلتُ على لوحة المفاتيح الأمنية التي تتطلب كلمة سر بإسمي، ثم تفتح الباب لنفق أرضي نستطيع الوصول إليه عن طريق الدرج.

إنه نفق تحت الأرض، وكانت والدتي من أشرفت على بناءه في سرية تامة عن والدي. لطالما كان ذكاء والدتي الحاد يجعلني أتساءل إذا ما قامت الحياة بهزيمتها يوما. وأعتقد أنها لم تفعل أبدا. أمي امرأة قوية... قوية جدا.

حملتُ بجسد والدتي النائم مجددا، ونزلت به الدرج بهدوء. ارتسمتْ ابتسامة هادئة أخرى على شفتاي فور رؤيتي للسيارة الاحتياطية التي تخبأها والدتي في هذا المكان الخافت الإضاءة الذي يشبه القبو. ضغطتُ على زر أسود أخر يمَكن من إغلاق الباب من الأعلى.

وضعتُ جسد والدتي في صندوق السيارة خوفا من أن يراها أحدهم، ومن ثم انطلقتُ في مغامرة ستجعلني أخرج من منطقة الراحة التي عشتُ فيها لمدة طويلة جدا.

بفضل ذكاء والدتي دائما مانستطيع الخروج من الباب الخلفي المطل على شارع خال من أي روح بشرية.

لابد أن الناس الآن مشغولون بإخماد الحريق والتساؤل عما يحدث ومن السبب وراء تدمير حياة أغنى رجال ملفيك.

موردينو:مدينة النور و الظلام ( الجزء الأول)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن