لقد حان وقت الحرب

25 4 3
                                    

إييرا

ـ إيفانا... إن الأطفال يراقبونك، أرجوك تماسكي.

أدركت أن الصدمة لن تسمح لها بالصمود وعدم الانهيار، لقد تسببنْ الصدمة في إيقاف حواسها عن العمل، حاولتُ الوقوف على قدماي المرتجفتين راغبة في إبعاد الأطفال عن المكان الذي تسبب لهم ببكاء هستيري.

فكرتُ في النصف ساعة المتبقية لي قبل انطلاق الحافلة، لكنني لا أريد المغادرة قبل أن أطمأن أن إيفانا ستكون بخير. كانتْ على نفس حالها عندما عدت إليها مجددا، على الأقل استطاعت تحريك شفاهها ولو بصعوبة عندما قالت ببكاء سيصاحبها أياما طوالا حزنا على الفقد المفاجئ الذي أخذ روح أعز الأشخاص إلى قلبها:

ـ لقد أخبرتها سابقا أنني لن أستطيع تسيير حياتي بدونها. لماذا تستمر بإخباري أن لكل شيء نهاية؟ لماذا تواصل إخباري أن نهايتنا نحن ما هي إلا... الموت، وأن تجنب هذا المصير المحتم هو من شيم الضعفاء. إنها لا تنفك تخبرني أنني الأقوى وسأبقى الأقوى دائما... لكنني لا أشعر أنني كذلك الآن. أشعر بأنني جمعت في قلبي ضعف البشرية بأكملها.

رتبتُ على كتفها بهدوء لأقول بصوت مرتجف هامس:

ـ كانت جدتك محقة. ويجب أن تتماسكي كي تظهري لها أنها لم تكن مخطئة أبدا، يجب أن تثبتي لها مدى قوتك... أرجوك إيفانا يجب أن تسلمي الجثة للحكومة.

رغم الحزن الذي تولد بداخلها إلا أنها استدارت نحوي بعينين جاحظتين عندما قالت:

ـ أفضل الموت على إعطائهم الجثة.

أغمضتُ عيناي بيأس. لقد كان سؤالا غبيا من طرفي، إيفانا لن تسلمهم الجثة حتى لو كان الثمن موتها. الجثة التي من المفترض أن تذهب لمدينة الموتى وهي مدينة خارج جدران موردينو. ففي كل مرة يموت شخص ما يقومون بنقل جثته لذلك المكان البعيد عنا بأميال لا نستطيع تقديرها. ولو أن كلا يعزي الأسباب وراء هذا التصرف إلى أشياء مختلفة، إلا أنني أعتقد بأنهم لا يريدون تذكير أنفسهم بأننا لسنا سوى ضيوفا في هذه الحياة قصيرة. وبأن هناك شيء اسمه الموت سيسرق منهم أرواحهم وأجسادهم في يوم من الأيام. ولهذا السبب ليس هناك وجود لمقابر في موردينو. حتى لا نتذكر أن نهايتنا هي الموت في كل مرة نراهم.

ساعدتها في إدخال الجثة إلى إحدى الغرف، ثم قصدتْ المكان حيث مازال إسحاق يحارب ألمه. حذوتُ حذو خطواتها بسرعة راغبة في منع حدوث كارثة. التقطتْ إيفانا السلاح المرمي بعشوائية على الأرض لتؤشر به نحو الوجه الذي أضحى شاحبا، لقد خسر دماء كثيرة، كانت لتقتله لولا تدخلي في أخر لحظة.

ـ لماذا يا إييرا؟

قالت بصراخ.

ـ لماذا ترغبين مني بأن أبقي على حياته، لقد تسبب في مقتل جدتي، لقد قتلها...قتلها.

موردينو:مدينة النور و الظلام ( الجزء الأول)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن