في أعماق الظلام، هناك أمل

38 19 0
                                    


أدم

يتألق القصر بواجهته الرخامية الفاخرة التي تعكس أشعة الشمس بشكل لافت، وتتدلى الزخارف المتقنة والنافذات الضخمة على جدرانه، تضفي عليه طابعاً ملكياً لا يضاهى. تحيط به الحدائق المترامية الأطوال، حيث تزهر ورود ملونة بينما تتداخل الأشجار الضخمة لتقديم منظر خلاب.

يمتد القصر على مساحة واسعة، تحيط بجوانبه أبراجٌ ذهبية تضفي لمسة من السحر والرفاهية، وتتدلى النوافير الراقصة في ساحة القصر، حيث تلتقي أصوات الماء الهادئة بالآذان بطريقة تهدئ الروح. تنتشر الابتسامات على الأوجه، وتتألق الشمس في الأفق.

ربما لن أنجح مهما حاولتُ في وصف البذخ الذي يغرق به أهالي ملفيك.

ألا أستطيع فتح الباب بمفردي؟

هكذا أفكر في كل مرة أضع قدمي على حافة المدخل، فيباشر الحارسين البورونيين فتحه مطأطي الرأس كما لو أن مصيرهما سيكون الموت إذا ما رفعا بأنظارهم نحوي.

أخطو حوالي العشر خطوات قبل أن تستقبلني الخادمة المسؤولة عن البهو. وكعادتها تمد لي يدها متوسلة معطف الفرو خاصتي، إلا أنني أوقعته في لحظة غضب فاقت حدودي. لم أعد قادرا على تحمل هذه المعاملة التي تجعل من فتى السابعة عشر يبدو كما لو أنه في الثامنة من عمره.

قلتُ بصوت تشبع بنبرة الغضب.

ـ بورونية غبية.

قاومَتْ المرأة العجوز آلام ظهرها وهي تنحني رغبة في التقاط المعطف. لكنني لم أشعر بأدنى شفقة، فهكذا يجب أن يُعامل هؤلاء الخونة.

استمريتُ بالتحرك نحو غرفتي، لكنني لم أستطع منع أقدامي من التوقف حين سقطتْ عيناي على العجوز التي بدتْ كما لو أنها تُصارع آلامها. لوهلة شعرت بالرغبة في إحضار كوب من الماء ربما يكون كفيلا بتخفيف حدة ألمها، وربما كنتُ لأفعل لولا الصوت القوي الذي تردد من ورائي، إنه والدي:

ـ أدم؟

أغلقت عيناي بخوفُ، ووجدتُ نفسي أفكر فيما سيحدث إذا ما أدركَ والدي ما يجول بخاطري. حاولتُ إخفاء التوتر الذي انعكس على وجهي قبل أن أستدير نحوه:

ـ مرحبا والدي.

ـ اتبعني، هناك شيء يجب أن نتحدث بشأنه.

لم نتبادل أي كلمة طوال مسيرنا، فاستغليتُ الصمتَ لأغرق في تساؤلات حول سبب هذا الاجتماع. وصلنا إلى غرفة المكتب بعد مضي حوالي الدقيقتين، وأشار لي والدي بأن أجلس. لكنه، بدلاً من الجلوس مباشرة، نظر إليّ بتأمل، ثم وضع ذراعيه بتوازن على سطح المكتب. استعان بنبرة هادئة حين استطرد:

ـ أخبَرني ناصح أنك لم تذهب لجلسة العلاج البارحة. هل يمكنك تفسير السبب؟

حاولتٌ التخلص من نبرة التوتر التي طغتْ على صوتي حين استطردتُ:

موردينو:مدينة النور و الظلام ( الجزء الأول)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن