الفصل الثاني

1.2K 63 48
                                    

كان الجزء الأكبر من القصة متواجدا بين تلك الأسطر الفارغة!..

**

البلدة القديمة، القدس، فلسطين..
الساعة الخامسة ونصف صباحا..

صوت مؤلوف اعتدت سماعه كل صباح كان يوقظني اليوم أيضا..
إلا أن اليوم كان مختلفا قليلا..
أو ربما كثيرا.. لا أدري..
لكنها كانت أكثر ليلة ممطرة في القدس منذ بداية فصل الشتاء..
صوت الرعد متزامنا مع صوت المطر كان يتزايد بين الفينة والأخرى ليجعلني أرغب في النوم أكثر..

أخرج يدي من تحت الغطاء وأطفئ المنبه لأستدير على جانبي الأيمن وأحتضن وسادتي محدثة نفسي.. - فيني أكمل نوم وأروح متأخرة شوي صح؟..

شعرت بثقل فوق جسدي فجأة ثم صوت سيمبا وهو ينبح محاولا إيقاظي..
سيمبا هو كلبي الصغير البوميراني من نوع سبيتز..
كلب لطيف وذكي يعلم جيدا مواعيد استيقاظي ومعنى صوت منبه الهاتف لذا فقد أتى يلحس وجهي وهو ينبح كي يوقظني..

ضحكت معه بحب ثم حملته وجعلته يجلس فوق صدري بينما راح هو يكمل لعق وجهي..

- صباح الخير سيمبا.. عم تصحيني.. اليوم كثير برد مش جاي ع بالي أروح الشغل.. اخخ بس لو ما عطيت المرضى مواعيد.. أقول آخر جملة زافرة بملل..

حملته بين يداي ووضعته على سريري ثم نهضت من مكاني واتجهت إلى الحمام، أخذت حماما دافئا سريعا حتى أتمكن من الاستيقاظ، ارتديت روب الحمام الأبيض ثم اتجهت إلى المطبخ لأحضر فطوري الصباحي وأنا أدندن بأغنية "إستثنائي - أدونيس" التي علقت في عقلي آخر فترة..

- إستثنائي جمالك بهاللون..
وبعدك عم تتحلي بعد
مافي شك خلقنا لبعض..
وبحبك بعد بعد، لو فيي بحبك بعد بعد.."

جلست على الطاولة أنتظر القهوة حتى تصبح جاهزة، أخذت هاتفي وفتحته لألمح إشعار رسالة انستغرام من صديقتي بيسان..

فتحت المحادثة لأجد عدة رسائل منها على الساعة الحادية عشر ليلا..
"أهلين ياسمين الحلوة"
"أنا بالقدس عند دار عمتي"
"وصلت من شوي بس"
"بعرف أنك كوالا وبتكوني نايمة هسا، بس إذا فاضية بكرا خلينا نلتقي لأني اشتقتلك"..

ابتسمت عند قراءة الرسائل..
واتسعت ابتسامتي عند آخر كلمة بالتحديد..

حسنا..
أدعى ياسمين وأبلغ الرابعة والعشرين من عمري..
وكما يبدو.. أنا أعيش بمفردي، لماذا وكيف هذا؟
القصة طويلة لكنني باختصار فقدت كل عائلتي واحد تلو الآخر على أزمنة مختلفة وكنت أنا الناجي الوحيد..
أو ربما سأكون الأخيرة.. لا أدري..
في نهاية المطاف الموت حق علينا كلنا..
لكنني ولأكون صادقة، لازلت أرغب في العيش طويلا..
مازال لدي الكثير لأعطيه في هاته الحياة!..
وهذا كافٍ بالنسبة لي لإبقاء هذا الأمل مشعا بداخلي..
رغم أنني أتعرض كثيرا لانطفاء داخلي بين الحين والآخر، فأيا كان.. ليس من السهل بتاتا أن تفقد كل عائلتك فجأة لتجد نفسك وحيدا في الأخير!..

بالنسبة لبيسان فهي صديقتي..
أو بالأحرى الفتاة التي أحببتها، أو أعجبت بها، لا أعلم ماهية تلك المشاعر التي أكنها لها بالتحديد لكنها وأي كانت فهي من طرف واحد ففي الأخير أعلم أنها مرتبطة بإحدى زميلاتها في العمل على حسب ما أخبرتني..

تعرفت عليها في الجامعة بعد أن أتت إلى القدس لتكمل دراستها الأكاديمية في جامعة عربية.. ومن هنا بدأت قصتي معها..
أقصد لم تبدأ أصلا..
فهي ليست على دراية من الأساس بمشاعري اتجاهها..

"صباح الخير.. يا هلا بالحلو نورت أرض المقدس"
"وأنا اشتقتلك يا قلبي، بس عندي شغل وبخلص ع الساعة ٤ مسا، إذا فيكي تجيني ع العيادة عشان نشوف بعض أو تعي ع بيتي بعد ما خلص دوام.."

أجبت على رسائلها ثم وضعت هاتفي ونهضت لأطفئ على القهوة..
تناولت فطوري وأطعمت سيمبا معي قبل المغادرة بينما تركت له ما يحتاجه من ماء وطعام في غيابي، جهزت نفسي سريعا حتى لا أتأخر، ارتديت بنطلون أسود واسع وقميص أبيض قمت بإدخاله داخل السروال ثم وضعت حزاما أسود..
رفعت شعري اللولبي الطويل على شكل كعكعة بطريقة عشوائية بينما بقيت بعض الخصلات الأمامية تتدلى على الأطرف..

وبطبيعة الحال لم أكن من معجبي مساحيق التجميل وما شابه ذلك..
كانت لدي ثقة كافية بجمالي..
أو ربما كانت والدتي هي السبب في اكتسابي لهاته الصفة التي كانت تتجسد فيني حرفيا.. إذ أنها كانت تخبرني دائما بأنني جميلة كشجرة الياسمين المزروعة في حديقة منزلنا والتي أزهرت أول مرة في يوم ولادتي ولهذا السبب قامت بتسميتي ياسمين!..

وبعدما انتهيت من تجهيز نفسي لبست حذاء أبيض رياضي بسيط وأخذت معطفي الشتوي ذو اللون الرملي (البيج) الطويل مع حقيبتي السوداء الصغيرة، ودعت سيمبا وخرجت من المنزل أتمشى تحت زخات المطر المتساقطة في ظل تلك السماء المظلمة صباحا مرتدية سماعاتي اللاسلكية أستمع لبعض الأغاني..

لم تكن العيادة بعيدة كثيرا ولم تكن قريبة كذلك إذ أنني سأمشي ما يقارب النصف ساعة حتى أصل..
أفضل عادة الذهاب بالسيارة، لكنني أردت اليوم استغلال هاته الأجواء الشتوية لأمشي تحت المطر..

الأمر يبعث نوعا من السلام النفسي بداخلي!..
وللحظات أشعر وكأن كل شيء اختفى ولم أبقى سوى أنا مع ذاتي الحقيقية!..
عجيب هو رب الكون حين خلق فأبدع ثم أضفى شيء غير مرئي من روحه لا نراه لكننا نستشعره..
بالأحرى كانت روحه الخالقة لكل شيء..
لتجسد اختلافتها في الأرض بأشكالها وأنواعها..
والأهم من ذلك بثنائياتها.. أو لنكون دقيقين في الوصف بأقطابها المندرجة تحت الوحدة..
كان هذا الأمر هو ما أدركته لاحقا في مفهوم الله متواجد في كل مكان..
كان الأجدر بنا أن نقول.. الله متواجد في كل شيء..
حتى أنني كنت أجده بداخل نفسي وبين قطرات المطر هاته وعلى هاته الأرض التي أمشي عليها وبين ذرات الهواء وداخل الذرات كذلك..

أدخلت يدي داخل جيوبي، نزلت من الرصيف ورحت أقطع الطريق، ليفاجئني ضوء قريب يخترق عيناي فيعيق كل رؤيتي متزامنا مع صوت كبح قوي للسيارة التي لم تلبث ثانية حتى شعرت بها تصطدم بي!..
.
.
يتبع..
رايكم بالبداية؟..
وطبعا بالغلاف
اكتبولي أرائكم بالتعليقات
وبشوفكم الجمعة الجاية ع ساعة 8 بتوقيت الجزائر كالعادة 🖤



تحت ظلال الياسمينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن