الفصل السادس عشر

423 40 16
                                    

وتجسد جمالُ الخالِق فيهَا..

**

قربت ذراعي من رأس السجارة حتى أمنع وصول الرياح إليها وأخذت القداحة بيدي الثانية لأقوم بإشعالها..
وضعت هذه الأخيرة بجانبي وأمسكت السيجارة بأصبعاي لأسحب نفسا عميقا بعمق ندمي وجروحي ثم أعيد نفثه في الهواء..
ثم تبعثرت ذرات الدخان وسط تلك السماء السوداء وتبعثرت أنا الأخرى معها..

نظرت لذلك الدب الصغير بعيناي المحمرتان مليئتان بالدموع..
لازلت لا أريد تقبل الأمر!..
كنت أشعر بغصة خانقة تقف وسط حلقي تمنعني من الصراخ والبكاء بأعلى أصواتي!!..
أبكي بصوت خافت ولا شيء يخرج سوى شهقات متتالية..
يا إلهي أريد تدمير كل شيء من حولي!..
أريد تدمير نفسي!!..

وفي لحظة من الغضب حيث أصبح جسدي بأكمله يرتعش من فرط تلك الطاقة التي اجتاحت كياني أخذت قنينة الويسكي التي كانت بجانبي ثم رميتها بعصبية على الجدار وكأنني أحاول بذلك أن ألقي كل تلك المشاعر المؤلمة التي التصقت بي كالشوائب منذ ذلك اليوم وأبت أن تنتزع، لتصدر القنينة صوت انكسار الزجاج ذاك وينسكب ما تبقى منها..

تعالت أنفاسي مع كل تلك الطاقة المُفَرغة، لكن ورغم ذلك شعرت بأنني لم أكتفي، لازال هناك الكثير بداخلي..
كنت وكأنني قنبلة على وشك الإنفجار..
ومع هذا الغضب كنت أحمل بداخلي شعور من الكراهية..
كره لذاتي!!..

نهضت من مكاني وتقدمت قليلا نحو الجدار، نزلت قليلا على قدماي ثم أخذت قطعة صغيرة من ذلك الزجاج المنكسر ورحت أتأملها وأنا أسترجع كل شريط ذكرياتي..
بداية من تلك اللحظة، حين ارتديت ذلك الزي
حين رفعت ذلك السلاح لأول مرة..
حين أطلقت النار..
صوت الرصاص ورائحة الدماء..
ذلك الدب..
وتلك الفتاة الصغيرة..
تلك الرمال، وذلك السجن..
تلك الساحة الخالية من الروح..
صوت الصراخ وصوت بكاءها..

لم تجمعني أي علاقة رسمية مع تلك الفتاة!..
ليست صديقتي ولا تقربني ولا أعرف شيء عنها..
لكن ورغم هذا خبر وفاتها جعلني أنهار وكأنني قد فقدت عزيزا..
ولن أنكر أنها كانت ولازلت عزيزة على قلبي!..
ربما بسبب شعور الذنب ذاك، ربما لأنني أنا من دمرت حياتها بعد أن قتلت عائلتها، ربما لأنها مريضة وألف ربما.. لكنني أجهل جوهر هذا الشعور أو جذر هذه المشاعر بداخلي..

الشيء الوحيد الذي كنت على يقين منه هو أنني إنسان..
وربما..
بقدر تلك المنطقية التي اكتسبتها في آخر فترة من حياتي فقدت عقلي..
أحيانا يكون الغباء نعمة..
فبينما يبقى البعض لغبائهم، تقودك فطنتك نحو الموت..

أمسكت قطعة الزجاج بين شفتاي ورفعت يدي اليسرى قليلا حتى أصبح معصمي في نفس مستوى فمي لأمرر بذلك الجزء الحاد من تلك القطعة عليه..

تأوهت من شدة الألم فوقعت تلك القطعة من فمي..
نظرت لمعصمي لأجده ينزف بشدة!..
حتى امتلأت الأرض من حولي دما بسرعة..
وماهي إلا بضعة دقائق حتى بدأت أشعر بالغثيان..
بدأت الرؤية تسود من حولي وتصبح ضبابية..
بدأت أفقد إحساسي..
بدأ جسدي يرتعش ويتصبب عرقا..
ثم..
لاشيء..

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Sep 29 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

تحت ظلال الياسمينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن