"غرفتك مرتبة على غير العادة" قال حسن وهو يعتدل في جلسته على السرير. جلس نوح على المقعد القابع بجانب المكتب والموازي للسرير.
سكتا لمدة لا بأس بها كان نوح خلالها يعبث بأصابع يديه و حسن يتأمل وجهه تارة و انحاء الغرفة تارة اخرى، لم ينبس نوح ببنت شفة ولم يشأ حسن ان يكسر ذلك الصمت الذي خلقه صديقه، إذ يعرف جيدا طبعه و كيفية التعامل معه.
نوح لا يعبر ببساطة عن مشاعره ولا عن افكاره، شخصيته قوية لكنه غامض و صعب الفهم. اساليبه في التعبير ملتوية و غير متوقعة، لذلك تكوين الصداقات -الحقيقية على الاقل- تشكل تحديا بنسبة له. و حَسن كونه يمتلك خبرة في التعامل مع الاشخاص، بالإضافة إلى كونه صديقه منذ المرحلة المتوسطة، يعرف جيدا خُلُقه و كيف يهيئ له وسطا آمنا يتخلص فيه من القيود التي تُلجمه.
تنحنح نوح قليلا ثم قال و عيناه مثبتتان على انامله "إذا.. متى علمت؟"
"ابلغني والدي امس مساءً.."
اشاح نوح بناظريه اخيرا نحو حسن، ثم اسند رأسه على يده اليمنى المثبتة على المكتب.
سكت حسن قليلا ثم اردف "اردت السفر إليك فور معرفتي بالخبر، لكني خشيت ان اصل في وقت متأخر من الليل وهو ما كان سيحدث بالفعل إن سافرت وقتها فأجد المنزل مغلق و كما تعلم لا مكان هنا اذهب إليه.. اتصلت عليك عدة مرات لكنك لم تجب، فقررت تأجيل السفر لليوم فجرا من باب الحزم."لهذا السبب بالذات ظل نوح طيلة مساء أمس يترقب باب المنزل، لعل حسن يحضر متأخرا..
اجاب نوح "اعتذر، لا اعرف اين هاتفي.. أما زلت على خلاف مع عمك؟"
"لم اكن لأسميه خلاف و إنما اممم عدم اتفاق، بلى لا نزال غير متفقين" اجاب حسن وهو يعدل المخدة كي يتوسدها.
"اليس الخلاف يعني عدم الاتفاق؟" قال نوح و ابتسامة خفيفة تشق اساريره، ليجيبه الآخر وهو يغير من نبرة صوته "هنالك اختلاف طفيف بين الإثنين صديقي، احدهما ينم عن العدوانية، و انا كما تعلم اميل للسلام بطبعي!.." مقلدا كلام الفلاسفة و المفكرين الذين يظهرون في الاعلام، مما انتزع من نوح ضحكة ذات عُمر قصير لكن حسن اعتبرها انجازا.
سرعان ما تقلبت اسارير نوح من البهجة الخفيفة إلى الحزن الشديد. وفي طرفة عين اخذت العبرات تنفلت من زنازين عينيه فارةً إلى العالم الخارجي، تصحبها شهقات ساخنة اطلقها صدره المحموم.
لاحظها حسن مباشرة فاعتدل في جلسته مجددا، صابا كل تركيزه على القابع امامه. لم يعلق على ما يراه، اكتفى بالجلوس مقابلا له و التركيز معه محاولا فك الشفرات التي يقوم نوح بإرسالها.اخذ نوح يمسح عينيه جاهدا بكلتا يديه محاولا التماسك، فإذا بالآخر يقول بصوت هادئ حاني "لا بأس عليك.. دعها تتحرر.."
كان هذا ما يحتاج سماعه. رفع رأسه ناحية حسن و كان ممتنا إلى ابعد حد، و اخذ يبكي و يبكي كما لم يفعل من قبل، البكاء ليس بالأمر الجديد على نوح، إذ يمارسه بين الفينة و الأخرى بطبيعة الحال لكن ليس بهذه الحرقة و ليس بهذه العلانية.
أنت تقرأ
زُلال | Clear
Romance"لطالما دعوت ان اكون خفيفة على المحيطين بي، غير مرئية احيانا.. اريد البقاء في حياتهم طالما هم بحاجة إلي ثم الرحيل بعدها بسلام." قصة تحكي عن مرحلة متوترة من حياة 'نوح' الشاب العشريني الذي مرّ توا بمصيبة هزت كيانه، لتظهر فجأة صديقة طفولته 'لُجين' و تع...