٦:الورشة

14 2 0
                                    

بدا وجهها مألوفا للغاية، لكنه عجز عن التعرف عليها.
كانت ملامحها عادية، كأي فتاة عشرينية عربية. لم توحي معالم وجهها ولا لفة حجابها بانتمائها او أصلها، لم تبدو شرقية ولا مغاربية، بدت فقط مألوفة إلى ابعد حد..

هل جلست بجانبه مرة في المواصلات؟ هل قابلها صدفة في مقهى؟ هل رآها في حلم؟ لم يستطع قط نبش جواب لتلك التساؤلات..

"و الآن اعذرني، سأجلب كرسيا.." قالتها و الغضب لازال يحتل اساريرها ثم اتجهت صوب الباب.

شعر نوح بعدم الرضى عن نفسه. كان متسرعاً، لم يفكر في ان هذه الفتاة لربما جادة في ما تفعله ولن تتكل على 'الواسطة' كما خطر بباله ..شعر انه ظلمها.

رجعت تحمل بين يديها كرسيا وضعته بالجانب الايسر من مكتبه.

"هلا افسحت لي مكانا لو سمحت؟ اخبروني انهم سيحضرون لي مكتبا في الايام القادمة.." قالت بهدوء متعارض مع الغضب الذي يعلو وجهها.

ابعد نوح بعض الاوراق كي يُفسح لها مساحة تكفيها لوضع حقيبة اليد الصغيرة التي بحوزتها.
جلست و أخرجت دفتر ملاحظات صغير و قلم حبر ازرق.

لم ينطق نوح بحرف، كان يشعر بالحرج من ما بدر منه قبل قليل، لكنه قرر عدم الاعتذار إذ لم يكن يعرف كيف ستتفاعل حيال هذا الأمر.

"إذا.. ماهي أبرز التحديات التي تواجهكم في هذا القسم؟" سألت بثقة كبيرة قاطعةً حبل افكار نوح الذي كان يسبح في نهر الحرج و الشرود.

حول ناظريه إليها مجددا، كانت امارات وجهها قد اجهضت كل معالم الغضب. "كيف فعلت ذلك؟!" قال في نفسه وهو يشيح بناظريه عنها.

"هلا اعدتِ سؤالك من فضلك؟" قال نوح، فكررت سؤالها بنفس الثقة و الثبات.

عرف نوح انه يتعامل مع شخص بعيد كل البعد عن الأشكال التي سبق و ان اشرف عليها.

سألها "التحديات الداخلية ام الخارجية؟"

أجابت وهي تنزع الغطاء عن القلم و تثبته في نهايته "الداخلية اولا، ثم الخارجية لو سمحت "

اخذ نوح يجيب على اسئلتها بإسهاب شديد، كانت تكتب و تعلق على كلامه في نفس الوقت. كانت فطنة و جادة بطريقة تزيد عمرها عشرين عاما.

بعد ما يقارب الساعتين من حديثهما المتواصل، بدأ نوح يشعر بالتعب و الملل بعض الشيء، بينما كانت لُجين مفعمة بالحماس و الفضول.

"اظن اننا سنكتفي بهذا القدر من المعلومات لليوم.. "قال نوح بكسل و ضيق صدر.

لم يكن منزعجا منها على الإطلاق لكنه اراد التوقف، كانت محاولة التركيز بنسبة له صعبة مع كل تلك الافكار الداخلية التي تفتعل فوضى عارمة في عقله. كان مشتتا، لايزال يفكر في والدته تارة بالإضافة إلى ما قاله والده امس و ما يشعر به هو تارة اخرى، و محاولة التظاهر بعكس ذلك كانت تستنزف ما تبقى من طاقته.

زُلال | Clearحيث تعيش القصص. اكتشف الآن