٢:زائر الصباح

30 3 0
                                    

قرع ثلاث مرات على باب الغرفة، حرك المقبض ببطء شديد، اطل برأسه اولا ثم سمح لباقي جسده بعبور عتبة الباب.

"نوح.. قم" قال والده بهدوء غير إعتيادي.

"لقد صليت بالفعل" اجاب نوح مباشرة بصوت لا يدل على ان صاحبه كان نائما، ربما متعب لكنه كان مستيقظا تماما.

لم يعلق والده على حاله و اكتفى ب"لقد جلبت مدبرة و اخبرتها ان تشرك غرفتك في التنظيف لذلك اخلها كي تقوم بعملها"

اجابه نوح ب"حسنا" و لم يتزعزع من مكانه. لم يزِد والده، قبل إخلائه الغرفة اتجه نحو الستارة التي تغطي النافذة و ازاحها سامحا لفيضان اشعة الشمس بالتدفق بحرية إلى المكان.
لم يأبه نوح لاسهم الشمس التي اخترقت لحافه ثم جُفون عينيه بشراسة، لكنه كان ممتعضا من ما ينتظره، سيل من الناس الغرباء بالنسبة له، سيتدفقون إلى منزلهم بعد ساعات قليلة لغرض التعازي. بالكاد تحمل الجموع امس، لا يدري ان كان قادرا على فعل المثل اليوم.

فكر في والدته، و في انها خلال ايامها الاخيرة لم يكن يزورها إلا اقلية قليلة تعد على الاصابع من معارفهم، "منافقون!" قالها بصوت مرتفع نسبيا.

قرع خفيف على باب غرفته سحبه من بين امواج افكاره، عرف مباشرة انها المدبرة. انتشل نفسه من مكانه بصعوبة ثم فتح لها الباب.

كانت سيدة كبيرة في السن، يبدو عليها الطيب و الحِلم. اخبرها ان لا تحرك ايا من الاوراق المتواجدة على المكتب اما ما دون ذلك فهي حرة في ترتيبه كما شاءت.
لم تنطق السيدة بحرف و اكتفت بهز رأسها للأعلى و الاسفل كناية عن القبول ثم انغمست في عملها.

اتجه نوح بخطوات متثاقلة لغرفة المعيشة. كان والده متواجدا بها مستلقيا على الكنبة الرثة، كان مغمض العينين لكن نوح كان يعلم علم اليقين بأنه مستيقظ.

لم يعرف إلى اين يتجه، لم يرد البقاء لوحده مع والده، وهي فكرة سببت له بعض الضيق إذ ان بقاءه وحيدا معه من الآن فصاعدا امر محتوم بعد رحيل والدته.

نوح لا يكره والده البتة بل على العكس، هو فقط غاضب منه لأسباب عدة، من بينها وفاة والدته. هو يعلم ان ما حدث قضاء و قدر و ان عمر والدته لم يكن ليزيد او ينقص عن ما هو مقدر ان يكون عليه، لكنه حانق على قرار والده الذي اتخذه في حقها و الذي يعتبره احد الاسباب الرئيسية التي ساهمت في وفاتها.

فتح والده عيناه ببطء لتتلاقى اعينهما. كان الصمت سيد الموقف لبضع ثوان حتى قرر والده اغتياله قائلا "لم تنم، اليس كذلك؟"

اجابه ب"بلى" وهو يشيح بناظرين عنه كي يثبتهما على شباك النافذة المفتوح جزئيا، لم يكن يركز على امر معين، فعل ذلك فقط كي يقطع الرابط البصري الذي يربطه بوالده.
اراد نوح تقليل الصدامات بينه و بين والده قدر الامكان مما يعني بالنسبة له تقليل الحديث معه و الاكتفاء بكلمات قليلة جدا عند الضرورة فقط.

زُلال | Clearحيث تعيش القصص. اكتشف الآن