وقفت مكاني للحظات، عاجزة عن الحركة أو التفكير. كل شيء بدا وكأنه يتحرك ببطء من حولي، بينما داخلي كان يغلي بغضب، بخوف، وبخيبة أمل لا يمكن وصفها.
خطا والدي نحوي بخطوات ثابتة، قبضته مشدودة بجانبه وعيناه تحترقان بغضب يعرف كيف يخيفني.
- إلى متى ستظلين تُحرجينني هكذا؟ ألم تكتفي بعد؟
لم أستطع الرد. كنتُ أحاول جمع شتات نفسي وأنا أشعر بأنني محاصرة تمامًا. الرجل الذي اعتقدت أنه حليفي وقف بجانبه، وكأنه يُشاهِد مشهد درامي خطط له بعناية.
مد والدي يده للإمساك بذراعي، لكنني تراجعت خطوة إلى الوراء. صرخت بصوت مهتز، مليء بالخوف والغضب:
- لن أعود معك! لن أعود لذلك الجحيم أبدًا!
لكن صراخي بدا بلا جدوى، كأن الكلمات تتبخر في الهواء. تقدم والدي بخطوة أخرى، لكنني رفعت يدي في محاولة يائسة لمنعه.
- لا تقترب! سأفعل أي شيء، لكنني لن أعود معك!
ضحك الرجل الذي وثقت به، ضحكة باردة تخلو من أي إنسانية، وقال بنبرة هادئة كأن الأمر لا يعنيه:
- لا داعي لكل هذا العناد. إنه والدكِ، ومن الطبيعي أن تعودي إلى منزلكِ.
نظرت إليه بغضب، وصرخت:
- من أنت لتحكم عليّ؟ لقد أخبرتك بكل شيء، وثقت بك! كيف استطعت أن تخدعني بهذا الشكل؟!
لم يرد، فقط اكتفى بالنظر إليّ بنفس الابتسامة الخبيثة التي أصبحت أكرهها أكثر من أي شيء.
أمسكني والدي أخيرًا من ذراعي بقوة، وجرّني نحو الباب بينما كنت أقاوم بكل ما أوتيت من قوة، لكن جسدي الضعيف لم يكن نداً له.
وقبل أن يخرج بي من المنزل، التفتُّ إلي الرجل آخر مرة، كان لا يزال واقفًا هناك، يراقب المشهد بلا أي تعبير. قلت بصوت مشحون بالدموع:
- أتمنى ألا يثق بك أحد أبدًا كما وثقت بك أنا. أتمنى أن تُركَل على يد القدر كما فعلت بي.
ثم غادرنا المنزل، ومع كل خطوة كنت أشعر بأنني أقترب أكثر من السجن الذي هربت منه. لم تكن الدموع قد بدأت بالسقوط بعد، لكنها كانت على وشك الانفجار. كل شيء انتهى... تمامًا كما كنتُ أخشاه.
كان والدي يجرني بقوة نحو سيارته. نظرتُ حولي يائسةً، وكأنني أبحث عن معجزة تنقذني من هذا المصير، لكن الشارع كان فارغًا، والصمت ثقيلًا.

أنت تقرأ
فِي مُـنـتَصـف الـلِـيـل
Short Storyشاءَ القَدَرُ أنْ يُذِيقَها العَذابَ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يَنْدَمَ حِينَ يَرَى الدُّمُوعَ في عَيْنَيْها. شاءَ أنْ يَكْسِرَها، ثُمَّ يَمُدَّ يَدَهُ لِيَلْمَلِمَ الحُطامَ. شاءَ أنْ يَكونَ بَيْنَهُما كُرْهٌ... مَمْزُوجٌ بِرَغْبَةٍ لا تُفْهَمُ، وَحِقْدٌ لَ...