في عمق معرض فني حيوي يزخر بألوان الفن والجمال، وقف كمال الأسدي ببذته الأنيقة، ينظر بعين المحلل والخبير لوحة تشكيلية معقدة. كان ذهنه مشغولاً بأفكار الصفقات القادمة ومشاريع شركته، لكنه قد خصّص هذه الساعة لسعيه نحو فهم عالم الفن الذي غالبًا ما يقتني منه قطعًا لمكتبه ولمنزله.
في هذا الجو الثقافي الغني، حيث كل لوحة وتمثال يحكي قصة، أبصر كمال شخصية تستحوذ على الأنظار بثقة وجاذبية طبيعية، كانت لينا المرزوقي وهي تشرح بحماسة عن أحد الأعمال الفنية لجمع من المستمعين المتأملين.
أخذ كمال يقترب من مجموعة لينا، يدس يديه بجيوب بذلته، متسلحًا بتلك الهالة المهيبة التي تلازم رجل أعمال بمقامه، فقط ليسمع أفكارها بشأن عالم لطالما كان على هامش اهتماماته. كانت طريقتها في الشرح مفعمة بالحياة ومليئة بالتفاصيل التي تبرز جمال الأعمال الفنية، وذلك أثار فضوله.
بانتهاء حديثها، انفض المستمعون، ووجد كمال نفسه يتجه نحوها بخطوات واثقة. قدم نفسه بأدب ومهابة معتادة، "كمال الأسدي،" قال مع إمالة رأس خفيفة كنوع من الإحترام. وسألها عن رؤيتها للوحة التي كان يقف أمامها قبل قليل.
تبادلت لينا النظرات مع كمال، تقتنص منه تلك الطاقة الجادة والغموض الذي يحيط به. "لينا المرزوقي،" ردت مبتسمة، وشرعت في شرح لا يخلو من المشاعر العميقة نحو الفن، وكأنها تلمس روح الألوان والأشكال. حديثها لم يقتصر على الجماليات وإنما تطرقت إلى فلسفة التعبير عن الذات التي تحملها اللوحة.
ظهرت معرفة لينا الواسعة وحبها الصادق للفن وهي تتحدث، وكمال، رجل الأعمال، الذي تعود أن يقود الحوارات، وجد نفسه هذه المرة مستمعًا، معجبًا بعمقها وحضورها.
مع مرور الدقائق، أدرك كمال اختلاف لينا عن سائر الناس الذين يقابلهم يوميًا. وأحست لينا أن هذا الرجل الذي وقف أمامها ليس مجرد رجل أعمال، بل إنسان يبحث عن قيمة أعمق في حياته. وهكذا خُلق شرارة التواصل بينهما، شرارة كانت كفيلة بأن تضيء رواية حياة كل منهما بشكل لم يتوقعاه.
مع استمرار الحديث بينهما، انتقل كمال ولينا إلى جانب أكثر هدوءًا في المعرض، حيث يمكن أن يتبادلا الكلمات بلا قيود الجمهور المتحمس. لاحظ كمال كيف أن لينا كانت تضيء كل فضاء تتواجد فيه، بابتسامتها الطبيعية وعينيها التي تلمع بحماس وعاطفة.
تناولا كوبين من النبيذ الأحمر، معمقين مناقشتهما حول الفن، مروراً بالأعمال الخيرية ووصولاً إلى الأحلام والطموحات. بالنسبة لكمال، كان هذا الحديث نسمة من الهواء العليل وسط أجواء الأعمال المعتادة. وجد نفسه يتحدث عن جوانب من شخصيته لم يكن يشاركها مع الآخرين، وهو ما فاجأه وأثار إعجابه في الوقت ذاته.
لينا، من جانبها، لاحظت المتانة والحكمة التي يمتلكها كمال، وكذلك نواياه الصادقة وراء قناع الجدية. شعرت بأن فيه قدرة للتغيير والنمو، وأن وجوده في حياتها قد يكون له دلالات أكبر.
بينما تطير الساعات بسرعة، بدأ المعرض يفقد بعضاً من ضجيجه، ما أعطى إشارة بأن اليوم يقترب من نهايته. اقترح كمال بتودد أن يقدم لها عشاءً هادئًا في مطعم قريب ليمتد بهما الحديث. ردت لينا بابتسامة متألقة وموافقة مبهمة، "أظن أن ذلك سيكون مقدمة جميلة لفصل جديد."
وعلى ضوء شموع المطعم وسط رائحة الطعام الشهي، وجد كل من كمال ولينا نفسه في حالة من الترابط غير المتوقع. الحديث كان عبارة عن رقصة كلمات خفية، بين رجل الأعمال القوي ومصممة الديكور الحالمة.
التقى كل منهما بشخص لا يشبه أحدًا قابله من قبلُ، وكأنه القطعة المفقودة في لوحة حياتهما. حتى بدون رغبتهما الصريحة، أصبح كل منهما مفتونًا بالآخر - كمال، بصرامته وبرودته الظاهرية، ولينا، بدفئها ورؤيتها الفنية الاستثنائية.
وهكذا، أسدلت شمس ذلك اليوم الطويل على اتحاد مدهش بين شخصين مختلفين، تحت راية الفنون والأحاديث الحميمة والحق في اكتشاف الروح الإنسانية عبر آفاق جديدة. كمال ولينا لم يكونا يعلمان بعد مدى الأثر الذي سيخلّفه هذا اللقاء في حياتهما، ولكن قلبيهما كانا يُحسّان بالبشرى.
![](https://img.wattpad.com/cover/368028033-288-k380513.jpg)
أنت تقرأ
" زمردة الزمان "
Romanceيحتضن عنوان الرواية، "زمردة الزمان"، قصة كمال ولينا بتكثيف، حيث يرمز إلى الجوهرة الثمينة التي تتخذ مكانًا فريدًا في جبين الوقت، كنايه عن قصة حب هي الأثمن والأرقى في حياة كل منهما. النسق العام للرواية يتدرج بين طيات الأقدار ومواقف الحياة التي لا تخلو...