بعد ذلك اللقاء الأول الذي أتى بصدفة القدر في المعرض، لم يكن كمال ولينا قد تبادلا سوى نظرات معبرة وديهما كانت مملوءة بالكلمات التي لم تُقال. لكن ما أشعلته تلك النظرات قاد إلى ترتيب لقاء آخر، وهذه المرة خارج إطار الفنون.
بعد عدة أيام، حددا موعدا للقاء على العشاء في مطعم يتوسط حديقة جميلة؛ كانت السماء صافية والنجوم تتلألأ، كما لو كانت تتوق لسماع حديثهما. وعند وصول لينا، وجدت كمال ينتظرها بابتسامة دافئة وباقة زهور بيضاء في يده.
كمال: "أخيرًا نلتقي مرة أثرى، لينا. في منظر أبهج من تلك القاعة المزدحمة."
لينا: "أوافقك الرأي، كمال. تبدو السماء اليوم وكأنها تحتفل بلقائنا."
يجلسان، الهواء العليل يلاعب خصلات شعر لينا. يبدآن باختيار الأطباق، وهما يتحدثان عن طيف واسع من الموضوعات.
كمال: "أتذكرين اللوحة الأولى التي ناقشناها سوياً؟ تلك التي أحتفظت بنسخة منها في مكتبي، لأتذكر دائماً بعدها العميق..." .
لينا: "بالطبع، كانت لوحة مميزة بألوانها الدافئة والحس الذي ينتابك عند النظر إليها. هل ما زالت تستوقفك كما في المرة الأولى؟"
كمال: "أكثر، وذلك بفضل شرحك العميق. للأمانة، كلّما نظرت إليها، أتذكرك وتلك الجولة الرائعة في المعرض."
لينا (مبتسمة): "أنا مسرورة أن استطعتُ إضافة بُعد جديد لتقديرك للفن."
تنتقل الأحاديث بين العميق والفكاهي، كلماتهم تتعانق في رقصة غير متوقعة من المشاعر والأفكار. يتبادلان الاستفسارات حول طفولتهم، الأحلام، العقبات وأيضاً الانتصارات.
لينا: "ماذا عنك، كمال؟ ما الذي يحفزك في كل صباح أن تواجه يومك بتلك القوة؟"
كمال: "لطالما بدت الأمور وكأنها مجرد جزء من الروتين، تعقبها تعقب. لكن منذ التقيتك، بدأت أرى أن الحياة يمكن أن تحمل ألواناً أخرى غير تلك المعتادة."يتناولان العشاء، وتمر الساعات في أحاديث لا تنتهي. وبين المزاح والضحكات، يكتشفان أن الراحة التي يشعران بها في وجود الآخر ليست سوى انعكاس لقرابة الروح التي تجمعهما.
لينا: "أتمنى لو أن الوقت يتوقف الآن. إن هذا المساء يشبه لوحة فنية نحن نرسمها معاً."
كمال: "ربما هو فعلاً فسيفساء من لحظات نادرة نجمعها لنخلق معًا شيئاً عظيما."
بنهاية المساء، يتردد صدى تلك الأحاديث في أذهانهما، يُخيل إليهما أنهما لم يكونا أكثر قربًا من قبل. يتبادلان وعدًا صامتًا بمزيد من اللقاءات، مزيد من الفصول في قصة بدأت توًا، وكأن القدر كان ينتظر اللحظة المثالية ليجمع بين صفحتين متجاورتين من كتاب الحياة الكبير.
بينما كان العشاء يقترب من نهايته، بدأ الحديث يأخذ منحنى أكثر شخصية وعمقًا - حديث عن العائلة والجذور التي ساهمت في تشكيل شخصياتهم.
لينا (بنبرة حنونة): "كيف هي علاقتك بعائلتك، كمال؟ هل هم قريبون منك؟"
كمال: "لطالما كانت العلاقات في عائلتنا تستند على احترام الجميع لالتزامات العمل والنجاحات الشخصية. أنا قريب بشكل خاص من جدي، كان هو من دفعني لأكون الرجل الذي أنا عليه الآن."
لينا: "يبدو أن له تأثيرًا كبيرًا في حياتك."
كمال (بتأمل): "نعم، كانت حكمته وقصصه عن الحياة والعمل سريرًا لطفولتي وشبابي. أنا ممتن له كثيرًا."ثم انتقل الحديث إلى عائلة لينا، وهي تشرح بعينين تلمعان الحب والاعتزاز.
لينا: "أمي كانت رسامة، وهي من علمتني أول اللمسات على الألوان والفراشي. أبي كان مهندس معماري، فقد تربيت في بيت يفيض بالإبداع والتقدير للجمال."
كمال: "لذا، الفن جزء لا يتجزأ من حياتك حقًا. يمكنني الآن أن أفهم أعمق لماذا كل خط ترسمينه يحمل في طياته قصة."
تعبس لينا بنعومة وتضيف: "ولكن لم يكن دائماً كل شيء مثالي. عندما قررت أن أتجه إلى تصميم الديكور بدلاً من الرسم الخالص، كان هناك بعض التوتر، تكيف الجميع مع الوقت."
كمال (متعاطفًا): "الخيارات الشخصية غالبًا ما تكون صعبة، خصوصًا عندما نحاول أن نجد مسارنا الخاص بعيدًا عن التوقعات."
الحديث بينهما يصير أكثر حميمية وفهمًا، فقد شكلت العائلة الأساس الذي انطلقا منه في مساراتهما المختلفة. كان لكلاهما احترام عميق للماضي وللأشخاص الذين ساهموا في تكوينهم، لكن كان هناك أيضًا إحساس بالإصرار على السير في طريق ينتخبانه بأنفسهما.
كمال: "ربما يكون الوقت قد حان لنرسم خرائطنا الخاصة، خارج الإطار الذي صُنع لنا."
لينا: "إنه عالم جديد بالنسبة لنا، عالم نستطيع فيه أن نكون ملهمين ومُلهمين في ذات الوقت."
تبادلا النظرات الدافئة والابتسامات الفاهمة، وبينما كانت الليلة تنسل إلى نهايتها، كان واضحًا أن بداية حكايتهما كانت تتفتح، لا كصفحة جديدة فحسب بل كفصل كامل مليء بالفرص والاحتمالات التي سيكتشفونها معًا.
أنت تقرأ
" زمردة الزمان "
Romanceيحتضن عنوان الرواية، "زمردة الزمان"، قصة كمال ولينا بتكثيف، حيث يرمز إلى الجوهرة الثمينة التي تتخذ مكانًا فريدًا في جبين الوقت، كنايه عن قصة حب هي الأثمن والأرقى في حياة كل منهما. النسق العام للرواية يتدرج بين طيات الأقدار ومواقف الحياة التي لا تخلو...