الفصل الثاني: الكذبة الجميلة

54 7 2
                                    

"في أعماق الصباح الهادئ، وعلى وسادة ناعمة، تغرق إيفلين في عالم النوم. تشعر بدفء البطانية وراحة الوسادة، مستسلمة تمامًا لراحة الصباح. تنعم بأحلامها الخاصة، تجوب فيها بين أفكارها وتطلعاتها، بينما تحاول جسدها الاستمتاع ببضع دقائق إضافية من الراحة قبل بدء يومها."
"فجأة، اخترق صوت خفيف لفترة طويلة الهدوء في الغرفة المعتمة، حيث انكشفت الستارة الرقيقة أمام أشعة الشمس الصباحية المنعشة. وفي غمرة النوم العميق، شعرتُ بوجود حضور هادئ في الغرفة،  فتحت عيني ببطء، ووجدت جوليانا وقد اقتحمت الغرفة بلطف.
"حبيبتي، حان وقت الاستيقاظ"، قالت بصوت هادئ، ولكن  حاولتُ بشدة الاحتفاظ بالنوم. قُمت بتغطية رأسي بالبطانية، محاولة الهروب من واقع الصباح المرير.
"أرجوكِ، لديك يوم مليء بالأشياء الجميلة لفعلها اليوم"، قالت والدتي بحنان، ولكنني بقيت متشبثة بالنوم، وكأني أرفض مغادرة.
لا أريد الذهاب إلى الجامعة اليوم!" صرخت بصوت مملوء. باليأس. محاولة إيجاد أي عذر للبقاء في المنزل. انا حقا ارى الجامعة كمكان بعيد عن الراحة والمرح، وأتمنى لو بإمكاني البقاء في سرير طوال اليوم بدلاً من الخروج لمواجهة الواقع الصعب
"وسط تذمري من الذهاب إلى الجامعة، تذكرت  بوضوح كم ان تواصلي معدومًا في الحرم الجامعي، وكم أشعر بأني شبه مخفية بين أعين الآخرين. تبادر إلى ذهني صور الأيام التي قضيتها وحيدة في الحرم الجامعي، وكيف  تمضي ساعات في الفصول الدراسية والمكتبات دون أن يلتفت أحد إلي بنية مُصادقتي.
على الرغم من هذا الشعور بالتهميش، إلا أني بطريقة ما أشعر بتعاطف مع هذا الوضع. أجد في الشعور بالشبه المخفي والتواصل المعدوم بوسائل ما، نوعًا من الجاذبية الخاصة. ربما لأني أجد في هذا العزلة بعضًا من السلام والهدوء، وربما لأني أكتشف في تلك اللحظات الوحيدة أجزاء من ذاتي التي لا أعلم عنها."
تنهدتُ بقلة حيلة، أدركت أنه لا بد لي من القيام . "حسنًا، سأقوم"،
لمحت جوليانا لي بنظرة مليئة بالشك، فاندفعت لأتصنع ببراءة على الفور، محاولةً إقناعها بأنني سأقوم بالفعل بعدت اللحاف عن جسدي. لم يمر وقت طويل حتى غادرت الغرفة بعد تلقي تهديداتها المؤكدة، أغمضت عيني لأستعيد الهدوء الذي فقدته ، ولكن سرعان ما انقضى، حينما دخل إيفان بصوته الصاخب، يُحطم السكون الذي كنت أتمناه بهذا  الصباح.
تمتمتُ بصوت هامس، "تبًا! كيف يمكن للمرء أن يحصل على هذه الحيوية في صباح الباكر؟"
جلس على السرير، وحدق بي بملل ممزوج بالاستغراب مُزيف. "الا تعتقدين انك كبرتِ بما فيه الكفاية لتستيقظي بنفسك؟"، سأل بصوتٍ يتصنع الدهشة فيه
اكمل كلامه، "أنا حقاً لا أفهمك، كيف يمكن لفتاة جامعية على وشك التخرج أن توقظها والدتها من النوم؟"
لم يكن لدي أي نية للسماح له بالمزيد من الازعاج، صرخت بغضب، "اذهب من غرفتي، لا أحتاج لرؤيتك هنا، أنت الشخص الأخير الذي أرغب في رؤيته الآن."
نهض من السرير متمتما بكل ابشع شتائم ، أعترف بأن غضبي كان مُبالغ به ولكنُه، "إنه مجنون، متأكدةً أن جوليانا قد أمضت حوالي نصف ساعة توقظه"، تمتمت بإقناع نفسي بذلك متجاهلة شتائمه.
نظرت للمرأة بعدما ارتديت ملابسي المعتادة، التي تتكون من قميص بسيط بلون أزرق فاتح، وبنطلون جينز فضفاض ومريح. أكملتُ مظهري بحذاء رياضي بسيط وحقيبة ظهر خفيفة على ظهري. خرجتُ من الغرفة بسرعة، مستعدة للانطلاق إلى الجامعة، ولكن أوقفتني صوت جوليانا الصارم. نظرتُ إليها بابتسامة تعبيرية، مأملةً في أن تتركني هذا اليوم بدون فطور، لكن كان واضحًا أن هذا لن يحدث جلستُ على الطاولة، وأنا أحاول بيأس أن أملأ فمي بسرعة. لا أريد أن أتأخر أكثر من ذلك. نظرتُ بحزن مُتصنع إلى إيفان، الذي بدأ يستمتع بطعامه ويتصفح هاتفه. همستُ له بشكلٍ خافت، خائفةً من ما سأفعله لا أريد أن أُفضح. لكنه تجاهلني، وواصل حشو فمه بالطعام بمزيد من الحماس، التي لا اعرف مصدرها بدا وكأن فمه يشكل ثقبًا أسودًا.
"هل تريد صحني؟"، همستُ متجاهلةً منظره المقزز، وألقيت نظرة سريعة إلى كلا الجانبين، مخافةً أن يلتفت إلي أحدهما ويكتشف ما أفعله.
ابتسم بطريقة غريبة، كأنه لم يشعر بالفرح من قبل، وأومأ بسرعة دون أن يتكلم، لأكمل كلامي، "حسنًا، أريدك أن تقم وتشغل جوليانا بترهاتك المعتادة، لكي أنقل الطعام بصحنك. حسنًا"، قام دون أن يرد، ليزعج جوليانا حقًا. شعرت بالشفقة تجاهها.
أسرعتُ بنقل صحني إلى صحن إيفان ، وبمجرد ما أن أنهيتُ، التفتتُ ووجدتُ جوليانا تدخل الصالة ووراءها إيفان، تمسك رأسها بيديها بسبب الصداع الذي تسبب به إيفان. لا يمكنني إلقاء اللوم عليها على ذلك. أسرعتُ لتقبيل جبينها بسرعة،. سمعتُ صوت شهقاتها خلفي، ولم تُكن مصدقة أنني قمتُ بتناول الطعام بسرعة وبشراهة.
ومن ثم توجهتُ إلى الخارج رفعتُ نظري إلى السماء  انها جميلة، وأدركتُ أنها مثالية للمشي، لكن تأخري في النوم يعني أني لا أستطيع القيام بذلك الآن. فقررتُ أخذ دراجتي  بدلاً من ذلك.
وصلتُ إلى الجامعة وركنتُ دراجتي بالمكان المعتاد، ودخلتُ إلى الحرم الجامعي وأنا أتجاهل نظرات الفضول من حولي. لم أكن متفاجئة من هذه الانتباهات، بل كنتُ أراها تحديًا أعتقدتُ أن شكلي شائع لا يهم للبعض ولكن اتضح العكس، شعري الأصهب الطويل الذي أرفعه بتسريحة الذيل دائما وعيناي البنفسجية النادرة، كان يمنحني جاذبية مختلفة دائما، تجعلني مميزة بين الآخرين. كانوا يُطلقون عليَّ لقب "الساحرة"، ولكن على الرغم من أنني لم أفهم المقصد من وراء هذا اللقب، إلا أنني كنت ممتنة على الأقل لأن شقيقي كان يتعرض لأقل الانتباه بسببي.
دخلتُ إلى دورة المياه وأغلقتُ الباب خلفي، بحثًا عن لحظة من الهدوء لأستعيدَ تركيزي وأجددَ قواي الذهنية المبعثرة. كان من الصعب جدًا أن أكون وحيدة وفي نفس الوقت ملتفة للانتباه. جمعتُ حقيبتي بسرعة وألقيتُها بلا اكتراث على كتفي، بينما ألقيتُ نظرة على نفسي في المرآة. لم أكن أستطيع تفادي الشعور بالضغط والتوتر يسكنان داخلي ولكني علمتُ أن الوقت لا ينتظر أحدًا. لذا، أسرعتُ لألتقطَ الحاجيات وأتجهتُ نحو المحاضرة، متمنيةً ألا تفوتني شيئًا مهمًا.
بمجرد انتهاء المحاضرة الأولى، استغليت الوقت الفاصل قبل بدء المحاضرة الثانية للذهاب إلى مكاني المفضل، الذي بالطبع يتميز بالهدوء والسكينة، بعيدًا عن صخب الحياة الجامعية. جلست هناك بسكينة تامة، ووضعت سماعاتي وبدأت في استماع إلى أغنيتي المفضلة، محاولةً إبعاد الضغوطات والانغماس في عالمي الخاص. أغمضت عينيَّ، ودعت الهواء النقي يلامس وجهي، مستمتعةً بلحظات السكينة والانسجام مع الطبيعة المحيطة بي. ولكن سرعان ما تبعثر هذه السكينة إذ شعرتُ بأن هناك من يراقبني، وللسبب ما، شعرتُ بنفس الاحساس الذي يأتي عندما يراودني حلمي المتكرر .هذا الشعور المريب أثار داخلي توترًا وقلقًا لا يمكنني تفسيره، لذا انسجمت في معنى الأغنية لكي لا أنشغل بهذه الأفكار
وبينما كنت مشغولة في عالمي الخاص، سمعت صوتًا ينادي باسمي بصوتٍ عالٍ وصاخب، ترددت في تصديق ما سمعت. لكن حينما اندفعت بربط فكرة أن هناك شعور شخص يراقبني ويليه ان أسمع احد ينادي بإسمي ، تجمّدتُ مكاني مفزوعةً.  فتحت عيني ببطء، ولكن سرعان ما تلاشى الخوف المسيطر عليّ عندما رأيت " أمَاندا" تبتسم لي بلطف من بعيد لتبدأ تتجه نحوي،
جلستُ  بجانبي، وأصابت كتفي بعتاب مزيف، كأنها تلعب دور الأم القلقة. "أنتِ لا تصدقين، إيفلين، تتركين صديقتك الوحيدة في يومها الأول"، قالتها بطريقةٍ مبالغ فيه، وأدارت وجهها بشكلٍ درامي لتحدق في اتجاه آخر، وكأنها تحاول التظاهر بالجدية.
ألقيت عليها نظرة غبية، "أنسة؟ ماذا، هل عدنا إلى عصر الفكتوريا؟"، سألت بنبرةٍ ساخرة، ثم أضفت بسخرية مبتسمة، "وأنتِ التي تركتِ صديقتك الوحيدة وذهبتِ إلى حبيبك الأحمق". قُلتها بصدق ممزوجة بالسخرية، ابتسمت بطريقةٍ بلهاء، مؤكدة حقيقة ما قلتُ.
لم تحاول تبرير فعلتها بل اكتفت بإحتضاني بطريقة درامية تطلب مني سماحها
نُظرت إليها بابتسامه صادقة انها بلهاء لا أنكر ذلك حقًا ، لكنها الوحيده الذي حاولت ان تصادقني منذ التحاقي بالكلية لم تأبه بشكلي الغريب ولا فظاظتي عندما حاولت بدء محادثة معي انا حقا ممتنة لها.
___________________________________

اهلا اتمنى ان يعجبكم هذا الفصل ويكون كافي لكم لاني احاول قدر امكان ان  اطوله 🤍🤍
-مارأيكم بشخصية إيفلين؟

  إيفادوكيا || ‏ Evadokia حيث تعيش القصص. اكتشف الآن