أدور في دوامة.في زوبعة.
في عزلة اخْتَرْتُها
و في عزلة بين الناس أُرْغِمْتُها
ما فادني البر الذي صببته صباً على رأس أبي...
لقد رماني في أسفل سافلين، و كأنني هشيم حطبٍ أو صخرةٍ ألقيت في وادٍ سحيق، لم يسمع جبة ارتطامي بالأرض، أو سمعها و نأى عنها.
أما الآن.....
قد أتى من السنين مذ سمعت أنباء موته أزيد من عامين، حز في نفسي، كيف أسترد حقي من ميت؟ كيف أشفي نار صدري بعد أن غَشِيَتِ الدمنة تربته؟ فما أنا فاعل؟ فكيف بي حيًّا أهنأ بنومة؟
و أنا على هذا الرحيل كل يوم، أطلع إلى المدينة و الحَضر، أطلب الزاد و السقيا و رزقاً يسيراً من الدريهمات، أسمع بين فينة و فينة ما يتناقله الناس على ألسنهم، منهم من يذكر حرب يثرب، و منهم من يذكر اضطراب الكهنة و العرافين، و منهم من يذكر عن مجنون الحجاز، و خلال ذلك ترجمني نظرات العوام في السوق فوق الأعناق، منها ما يتعجب من منظري، و منها ما يعرف ما خلفي، فأما الذين لم يألفوا خلقتي، فكان لمشيي مستور ما بين عيني إلى أسفل حانقتي، تضيء عيناي الظلمة إذا ما رآها أحد، تحت شعري الأسود المفروق، في هيئة لم يعهدها عرب الجنوب، ليُهمس سؤالٌ عن اسمي، فيرد الهمس فيما بينهم: "هذا شهاب ابن الأسود الرازي"
غير أن من دنا بدناءته بِرَكَ الضفادع، فقد ينعتني: "هذا الرازي ابن ذات خصر"
هذا لمن عرفني، من عرف والدتي، والدتي التي هي أول من آذاني أبي بسببها.
أعود من أسواق المدينة محملاً بما كُتِبَ لي، إلى الدار التي لا يعرف مكانها أحد من الإنس و ربما من الجن، سواي و والداي، أدخل على العجوز الخرفة فيكون أول ما تستقبلني به: "ألا تميط اللثام؟ ألا تزيل الوشاح؟" ثم تنظر بعيداً في ركن من أركان البيت، لربما شيطانها يحدثها، فما أشد ما تعطل من عقلها حين بلغها موت ذا الشيبة الأسود الرازي.
و ما بي طاقة لإجابتها، أضع لها طعامها و شرابها ثم أتولى لبعض شأني، أقتل نفسي بالتدرب على السيف أو حمل الصخور أو الركض و السباحة، عل ذلك يذهب و يطفئ ما في قلبي، ثم ارتمي نائماً إلى يوم غد.
مللت.....
سئمت......
أأشرب السم؟ أم أهوي من جرف؟ أم أترك رعاع الخلق يقتلونني؟ أم السباع و وحوش البرية تأكلني؟
ما عدت أطيق وجوه البشر.....و لا حتى التي أدعوها أمي......
و بينما أنا يوم في سوق المدينة أبتاع و أشتري بعد الزوال، إذ بمنادٍ: "أيكم يدلني على ابن الأسود الرازي؟"
فسكت القوم و طفقوا ينظرون إلي، فعرف المنادي أنني من يريد، فسألته: "من السائل؟"
فقال: "أنا عمك كيان، أتيت من نجران أريد رؤيتك"
أنت تقرأ
غريب مجنون الجنوب إلى الحجاز
Historical Fictionتسعة آلاف سنة بعد هلاك عاد إرم.... بضع و ثمانون عاماً من زوال سبأ و يمنت...... كنت......و لا أحد مثلي....... أتيتُ من نسلٍ تفاخر بأمجاده منذ آلاف السنين، بنى مصانع و قصوراً نالت من الغيم في السماوات و قهر سكانها أهل الأرض... و لكن ما شفع ذلك للرجل ا...