خمس ليالٍ من المسير أوصلتني إلى منازل يشجب، نزلتُ قبلها من هذه الفرس الجميلة، التي بادرتني معروفاً بأنها لم تتعب لخمس ليالٍ من المسير، أسميتها سيناء، تيمناً بالأرض المقدسة ذات الطور في مصر، و رأيتُ أن أكافئها بوافر مبهج الثلج و مشبع الزاد و بارد الظل و حالي العسل.و الذي رفع إلى ذهني هذا الأمر، هو عَرْفُ جَوْذابات شواء اللحوم و طبيخ المرق و عبق فواكه النبيذ و الشراب، يُصَيِّرُ سيول لعاب الصائم نزولاً، ترتفع من السهل الذي يسكنه القوم أخاهم يشجب، و لما دنوت، رأيت القدور تنصب، و اللحوم تقطع و توضب، و الكؤوس توزع و تشرب، و رأيت نساؤهم تتمايل و رجالهم تنبطح، ويكأنهم ليسوا برجال أو نساء، بل قصب نخيل يهتز مع ريحٍ عاصف منه ما يسقط و منه ما يهتز.
أهؤلاء الذين يتزعم عليهم أحد أخوتي؟ أحد بني الأسود؟ هؤلاء الشرذمة الذين يطنون كالنحل مع الدف و العود يقارنون بي أنا ابن الرازي؟
قررتُ أن أهدئ من غضبي و أسكن من روعي، فلعل هذا الأخ المفقود أهونهم حالاً.....
و كنتُ مخطئاً.....
رأيتُه في ناديه بين جاريتين تضحكان، تناولانه الشراب، و الثالثة عند قدمه تدلكها، و الرابعة على كتفه تُمَرِّخُها، و الخامسة تدق عوداً، و أخرى تنشد، و أخرى.........كفى!
بكلمةٍ مني التفت إلي، لم ينكر هيأتي، بل أشار إلى جواريه فقمن عنه و جاء هو إلي: "أ إنك لشهاب؟" سألني.
قلت: "و كيف عرفت؟"
قال: "أنت الوحيد من أخوتي الذي لم أر صورته، فمرحباً بك في منازلنا"
و أراد أن يعانق فأوقفته و أبدى هو تفهماً، ثم دعاني لأن أتبعه فمشيت خلفه.
ثم سأل: "ما أتى بك إلى منازلنا يا أخي؟"
لم أجبه من فوري، بل طالعت صورتي أراها في وجهه، أراقب هل أنا أشبه بأبي أم هو، هل كان لوجهي نفس الملامح قبل أن أفقدها؟
ثم لما رآني صامتاً قال: "ربما ما كان لي أن أسأل، فلتمكث الليلة عندنا، و لتأكل من طعامنا و تشرب من شرابنا، و لترح فرسك"
قلت: "نعم، لم أرحها من خمس ليالٍ سيرًا، فلو أنك نحلتها و أكرمتها"
"نعم"
ثم أمر لي بحجرةٍ و فراشٍ دثير و لحمٍ و فاكهة، ثم قال: "تخير أي من جواريّ شئت تبيتها معك الليلة"
"لا حاجة لي بهن"
"إنما أريد أن أكرمك و أحسن ضيافتك، فإن مقامك عزيزٌ لدينا"
"قد كفيت و الواجب أديت، و ليس لي حاجة بجارية أو بخادمة"
"أمرك غريب يا أخي، غيرك كان ليسألني هل أزيده ثانية"
"أكنت ترضاها لأمك؟"
"ليس الناس سواء يا أخي، أعلم أنك ترى نفسك أعلى من بقية سواد الناس، فكذلك النساء، أمي حرة ابنة حرة فلا أرضاها لها، أما لجواري لا تصلحن إلا للمتعة فلا أر بأساً"
أنت تقرأ
غريب مجنون الجنوب إلى الحجاز
Tarihi Kurguتسعة آلاف سنة بعد هلاك عاد إرم.... بضع و ثمانون عاماً من زوال سبأ و يمنت...... كنت......و لا أحد مثلي....... أتيتُ من نسلٍ تفاخر بأمجاده منذ آلاف السنين، بنى مصانع و قصوراً نالت من الغيم في السماوات و قهر سكانها أهل الأرض... و لكن ما شفع ذلك للرجل ا...