٢.قدر

35 6 11
                                    


والدي يُدعى الأسود الرازي، و قد يُدعى الأسود ابن الرازي، أصله من شرق الجزيرة جهة عمان، كان لا يقبل أن يذكر له أحد ذلك الأمر، و لَمّا سَأَلْتُه من أي العرب نحن، قال نحن ممن نجا من عاد إرم في الأحقاف.

كان في أول حياته قاطع طريق، يصحب نفرًا يتعيشون من قطع القوافل، و ظلوا زمنًا لا يقدر عليهم أحدٌ من شيوخ و شجعان و فرسان العرب، و مرةً قبضوا على قافلةٍ آتيةً من نجران في طريقها إلى حضرموت، فغنموا ما عليها، و قتلوا رجالها، و سبوا نساءها، و كان مما جاء من نصيب الأسود، امرأة تدعى ذات بعدان، اسمها على اسم ربةٍ كانت تعبدها العرب في شمال اليمن، كذلك كانت تعرف بماجنة بني سجح، لم أسأل أبي و أمي عن منازل أولئك القوم، و لكن عَرَفْت أن أمي كانت تدير كؤوس الشراب في نواديهم.

عندما رأى الأسود ذات بعدان تقدم إليه كمائدة الأعراس، وقع في نفسه حبها و شغف قلبه بها، و لشدة ما أحبها، فر بها بعيدًا من قومه، و اتخذ سكنًا في ساحلٍ يقال له عدن، و صنع لنا بيتًا من الحجارة ضاهى به مدائن ثمود في إتقانها، و أقسم عليها لتتركن ما كانت تعمله في أندية أوباش البشر و ليتركن هو ما عليه من التقطع و السلب، و ليأتينها بكل ما تطلب، ليعيشا في هناء.

عامًا مر بعد إنجابي، استودعني الأسود و أمي لدى شيخٍ جليلٍ شريفٍ من البلدة القريبة، سافر هو لشأنٍ قال إنه لفض أواصر ما كان عليه من قطع السبيل مع قومه.

ثم و بعد أن أتى العام الخامس من حياتي المبكرة، رجع الأسود، محملاً بما كتب له من رزق، ليعيش معنا، و تبدأ فترةً من حياتي هي المثلى مع الأسود.

لم يترك الأسود شيئاً لم يعلمني إياه، كان يلقي بي بين موج البحر حتى أصبحت أسبح أفضل من الحيتان، و أقرأني قراطيس الأولين من رومٍ و فرس و قديم علوم العرب و العجم و انهلني من معارفها حتى ما فاتني منها شيء و أضحيت أفتي في كل عضال، و شد على يدي السيف و الترس و القوس و الرمح فأمسيت ليس من فتيان العرب أشد مني ساعداً.

و كانت له تجارة، في كل عام يسافر شهراً و يعود شهراً و معه ما يكفينا إلى العام، غير أنه عارض أخذي معه أي ما معارضة و لم أغضب، إذ كنت في بحبوحةٍ من العيش راضيًا بذي الحياة.

و على هذا، عامٌ يجر عاماً، يسافر و يرجع، حتى بلغت العام العشرين من عمري.....حين وقعت الواقعة.....

ما أظن أن والداً مثل الأسود أو والدةً مثل ذات بعدان قد سمعا بولد أكثر مني برًّا، و لا أسرع طاعةً، إذ كنت لا أعصي لهما أمراً و لا يهون عندي لهما خاطر، فكافآنني بغير ما جازيتهما.

في إحدى رحلات الأسود، تَكَهَّنَت ذات بعدان و تعلمت العرافة و السحر، و شغفت بذلك، لم أملك منعها، إذ لم يضر ذلك أحدًا و حسبتها اتخذت من لدن ذلك لهوًا، و لما عاد الأسود، ثارت ثائرته، و ظل مغاضباً لها أياماً، و أقسم عليها لتتركن الكهانة و السحر فأبت، و كنتُ قد اتخذتُ صيد البحر معاشاً، و بينما أنا وسط شغلي، إذ سمعت صوت ذات بعدان تستجدي الغوث، فأَسْرَعْتُ إلى الدار، فإذ بهما يختصمان و يتعاركان، و أسرعت أمي خلفي تتقي منه....

غريب مجنون الجنوب إلى الحجازحيث تعيش القصص. اكتشف الآن