٣.أبدية

15 2 6
                                    


هؤلاء الأوباش...

رعاع الماشية بل هم أقل منها....

لو شئت لفككتُ وثاقي و نَحَرْتُ أعناقهم كما تُنْحَر الإبل و الشياه....

و لكن...

تَرَكْتُهُمْ يجرونني إلى ذلك الملك، حتى أدخلوني إليه، جالسٌ على سريره خلف ستارٍ لا يُرى إلا ظله، ثم رَحَّبَ بصوتٍ لم أسمع أجعد منه قط: "عِمْتَ مساءً يا شهاب بن الأسود الرازي"

تركني جنده معه، و حللت وثاق نفسي و أَعَدْتُ اللثام على عنقي سائلاً إياه: "من أعلمك باسمي؟"

قال: "لي عينٌ خلف كل باب، و أُذُنٌ وراء كل جدار، و درهم داخل كل صرة، سلطاني لا حد له في جزيرة العرب، أنا الظل الذي يسير خلف كل ملك، و اليد التي تبطش في كل جيش، و إني أعرفك و أعرف والدتك ذات بعدان و والدك الأسود الرازي، و عمك كيان، و أخوتك الخمسة، و ما وراء ذلك"

فقلت له: "إن كنتَ عليماً خبيراً كما تقول، فأنبئني بمكان دفن الأسود"

"إنسان......كأي إنسان.....عَجِلٌ مستعجل.......و كذلك أنا مثلك.......إنسان، علمي و خبرتي و سلطاني علم و خبرة و سلطة انسان.....لا يجاوز أحد منا انسانيته، مهما دنا أو علا"

"ليكن، أيها الملك الانسان، انسانيتك تفرض عليك أن تأتمر بما يريده كل الناس......عملٌ و ثمن، معروفٌ و أجر، فَسَمِّ ثمنك؟"

"لا تحسبن كل الناس على نفس الفكر يا شهاب، ليس كل البشر يريد ما يريده عادة البشر و عوامهم، أنا و أنت من الخواص، نحن بشر، لكن لسنا كبقية البشر، نحن.........أعلى.........أنا.......أعلى"

"أنت أعلى، و لكن مما رأيته، لو كنت أعلى، فَلِمَ لَمْ ينازعك الفُرْس على مُلْك اليمن؟"

"العرب هم من يملكون اليمن يا شهاب، الفُرْس يوشك أن يزول سلطانهم حتى من بلاد فارس"

"و ما شأنك أنت؟ ما الذي تريده؟"

"إن اليمن للعرب كالجذع للشجر، من يملك اليمن يملك جزيرة العرب، و من يملك جزيرة العرب يملك على الشام و العراق، و من يملك الشام و العراق و اليمن يوشك أن يملك فارس و الروم، و العرب رغم أن اليمن بيدها فهي لا تدرك ذلك الآن، ربما في زمانٍ لاحق قادم، و لكن ليس بعد"

"لم تقل لي بعد ما الذي تريده"

"قد لقيتُ أباك، قبل ثلاثين سنة، قاطع طريقٍ وضيع، و أنا تاجرٌ على قافلتي، و كان معي كاهنٌ من نجد، فأَخْبَرَهُ أنه إن تَرَكَهُ و لم يسلبه فسيتكهن له، وافق الرازي، و سمع كهانة الكاهن....يومها....لم أرَ رجلاً يتغير في ساعته مثلما تغير الرازي، و صار له وجهٌ غير الوجه الذي أتانا به"

كُنْتُ...استمع لكلام هذا الملك و لا أبالي به، حتى ذَكَرَ الأسود، لا أعلم لما انتفض قلبي ساعتها، أمن الغيظ؟ أمن احساسٍ آخر؟ لا أعلم، حاولتُ سؤاله دون أن أُظْهِرَ له اكتراثي: "و ما قال الكاهن حتى يقلق و يرتعد الأسود؟"

غريب مجنون الجنوب إلى الحجازحيث تعيش القصص. اكتشف الآن