و أنا أتسلق الشق تفكرتُ بيني و بين نفسي عن ما قدوم رمال إلى هذه الناحية البعيدة و ما سبب وجودها من بين كل الأماكن هنا، و أدركتُ ذلك متأخرًا، أدركتُ ذلك بعدما رأيتُ كيان...كان يقف في منتصف صحن القصر من طبقته الثانية، اِرْتَصَّت خلفه أسيافٌ في غُمُدٍ ذهبية يحمل كلٌّ منها صنمٌ على صورة رجل و لا يشبه أحدها الآخر في هيئته و لا وقفته، ثم تكلم كيان لما ظهرتُ:
"أي ابن أخ! أإنك لحي؟!"
فرردتُ عليه بعد أن نفضت التراب و الغبار عن نفسي: "خاب رجاؤك؟"
"بل تيقنتُ أنك ابن أخي و من بني جلدتي و تحمل عظيم دمٍ بين عروقك"
"رميتني من الجرف و حسبتني لن أموت؟"
"هو ذاك، كما رميتُ غيرك الكثير"
"اللعنة عليك يا كيان! ما أراك إلا مثل الأسود في استهانته بحياة الناس! و لعلك تقتل أبرياءً بلا قلب!"
"قلب؟! أوتجرؤ أن تذكر القلب؟! لَمَّا تحمل أمانةً و مسؤوليةً كثقل الجبال تتكلم حينها عن القلب! إن ذنب أباك الوحيد هو أنه لم يضع يده في يدي لنجابه طالع الحجاز! نحن! مِن سلالة عاد و إرم و مَن بنى ثمود و قصور الشام! نسترد سلطاننا و نعلو على العرب و العجم! و لكنه ذهب يأتي بأولادٍ لا قِبَلَ لهم و لا قوة و يضع يده بيد النساء"
"لو وُضِعْتُ مكانك و عَلِمْتُ أن طالع الحجاز آتٍ لا محالة لفررتُ جزيرة العرب و لا أقتل بريئًا"
"لن يبقى مكانٌ على الأرض لن يبلغه سلطان طالع الحجاز، أفلا ترى و تفهم أن لا مهرب منه؟"
"فما مجيئك هنا إذاً؟ إن هذا لمكانٌ لا يبلغه إنسي"
"انظر حولك يا شهاب، انظر كيف كنا و كيف صرنا، إن الأمم تولد ثم تشب ثم تشيب ثم تموت ثم تحيا ثم تشب، و إنا نوشك أن نحيا فنسمو على اليمن و على العرب و العجم"
ثم ذهب و أخذ أوسط السيوف الذهبية، و مما أعلمه عن السيوف، نظرةً واحدة أنبأتني أن تلك ليست بسيوفٍ مما اعتاد العرب حمله، ثم هاجمني به.
تصديتُ له بما أملك من سلاح، و لكني أحسستُ بثقل يده على يدي، و لم أدرِ، أهي قوة كيان كما جربتها قبلًا، أم من هذا السيف الذي بيده.
و تساجلنا أنا و هو من دون أن تظهر لمن الغلبة، و مثلما صار آنفًا، أخذ التعب و الانهاك مني مأخذه، و أعددتُ نفسي لما هو آت، فأتى في عنفوان تبختره بقوته و طفق ينشد:
"أنا ابن صحراء العروبة شامخٌ**عرفتُ المجد منذ عهد جدودي
في أرضها شبّ الفؤاد معانقًا**ريح الرمال و شمسها بصمودِ
ورثتُ عن أسلاف قومي عزة**تأبى الحياة بِذُّلٍّ أو قيودِ
أَفْضِلْ بالقتل الكريم بسيف عز**على حياة في الهوان تسود
أنت تقرأ
غريب مجنون الجنوب إلى الحجاز
Historical Fictionتسعة آلاف سنة بعد هلاك عاد إرم.... بضع و ثمانون عاماً من زوال سبأ و يمنت...... كنت......و لا أحد مثلي....... أتيتُ من نسلٍ تفاخر بأمجاده منذ آلاف السنين، بنى مصانع و قصوراً نالت من الغيم في السماوات و قهر سكانها أهل الأرض... و لكن ما شفع ذلك للرجل ا...