الفصل 1 : الضحية

109 8 22
                                    


قيل سابقا : المرأة عدو المرأة .
كان مخطئا من قالها !!
للمرأة عدُوان لدودان هما : الجمال و الفقر .

____________________________________

نشأت مرغريت جوتييه فقيرة لا تملك مالا تشتري به زوجا ، ولا تجد بين الرجال من يبيعها نفسه بلا مال ، أو يحسن إليها بما يسد خلتها ويستر عورتها ، وكان لا بد لها أن تعيش ، فلم تجد بين يديها سوى عرضها فذهبت به إلى سوق الشقاء والآلام ، فساومها فيه بعض المساومين بأبخس الأثمان فباعته إياه كارهة مرغمة وكانت من الخاسرين .

لقد كان جمالها شؤما عليها ، فلو أنها كانت شوهاء لوجدت في الناس من يحنو عليها ويرحمها ، ولكن الجمال سلعة من السلع النافقة لا يستطيع صاحبه أن ينال ما في أيدي الناس إن كان فقيراً معوزاً إلاّ من طريق المساومة فيه .

لذلك نقمت تلك الفتاة المنكوبة على الرجال جميعا وأقسمت أن تتخذ من جمالها الذي هو مطمح أنظارهم ، وقبلة آمالهم ، آلة انتقام تنتقم بها لعرضها وشرفها .

ولقد برّت بينهما برّ الوفيّ بعهده فعاشرت الرجال ولم تحبهم ، ونكبتهم في أموالهم وفي أنفسهم ولم تأسف عليهم ، ونظرت إلى دموع الباكين تحت قدميها نظرات الغبطة والسرور وهي تقول :

:- ويح لكم يا معشر الرجال ، ما كنت أطلب منكم باسم الفضيلة والشرف إلا رغيفا لغذائي ، وآخر لعشائي فأبياموها عليّ ، فلما طلبت منكم باسم الرذيلة جميع ما تملك أيديكم من مال ونشب بذلتموه لي طائعين مختارين فما أصغر نفوسكم وأخس أقداركم .
لقد كان في استطاعة أصغركم شأناً ، وأهونكم على نفسه وعلى الناس جميعا أن يشتري مني جسمي وقلبي وحياتي بلا ثمن سوى سد خلتي وصيانة عرضي ، فلم تفعلوا فهاهم أولاء اليوم عظماؤكم و أشرافكم يجثون تحت قدمي جثيَ الكلب الذليل تحت مائدة سيده ، فلا ينالون مني أكثر مما ينال منها.
أحببتم المال حباً جماً فأبيتم إلاَّ أن تتزوجوا ذات مال لتضموا طارفها إلى تليدكم فابذلوا اليوم لامرأة مومَسٍ لا تمنحكم مالاً ولا حباً جميع ما في أيديكم من فضة وذهب ، حتى لا يبقى لكم طارف ولا تليد .

ظهرت مرغريت في سماء باريس كوكباً متلألئاً يبعث الأنوار ، ويبهر الأنظار ، ويملأ أجواز الفضاء بهجة وضياء ، فطارت حولها العقول طيران النحل حول الزهر ، وسال النضار بين يديها سيلان الجدول المتدفق تحت أشعة الأصيل ، وعنت لها الوجوه الكريمة ، وتعفرت تحت قدميها الحباه الرفيعة ، وأصبحت أعناق الرجال في يدها كأنما قد سلكتهم جميعا في سلك واحد ، ثم أمسكت بطرف السلك تحركه فيتحركون ، وتمسك عنهم فيمسكون ، وكان شأنها معهم شأن صاحب الكلب مع كلبه، لا يشبعه فيستغني عنه ولا يجيعه فييأس منه
فكانت تملأ نفس عاشقها أملا ورجاء حتى إذا ظن قد دنا به حظه وان ليس بينه وبين امله الا ان يمد اليه يده فيناله ، ذاته عنه ذو الظامئ الهيمان عن رده ادنى ما يكون الى فمه فإذا علمت ان اليأس قد بلغ من نفسه وأنه قد أجمع ان يركب رأسه الى حيث ولا مرد له ، بعثت وراؤه شعاعا من أشعة ابتسامتها العذبة الخلابة ، فاستردته إليها صاغرا متسلماً .

مذكرات مرغريت Where stories live. Discover now