الفصل 5 : مذكرات

19 7 3
                                    

15 ديسمبر 1850

أرمان: لم تكتب إليَّ ولم تأتِنِي، كأنما ظننت أني أريد أن أستعيد معك عهد الماضي، وأين أنا من ذلك العهد؟! فلو رأيتني لرأيت امرأة ذاهبةً مدبِرة لا تصلح لشأنٍ من شئون الحياة، ولم يبقَ فيها من صورتها الماضية إلا كما بقي من الزهرة الساقطة عن غصنها بعدما عصفت الريح بأوراقها، وكل ما كنتُ أريده منك أن أراك بجانب فراشي في ساعتي الأخيرة؛ لأعتذر لك عن ذنبي الذي أذنبته إليك، ثم أنظر إليك نظرة وداع أغمض عليها جفني وأذهب بها إلى قبري.

ما أنا بخائنةٍ يا «أرمان» ولا خادعة؛ فإن الرسالة التي رأيتها في يدي يوم عدتَ إليَّ من مقابلة أبيك ليست رسالة المركيز كما ظننتَ، بل رسالة أبيك نفسه، وصلت منه قبل وصولك إلى «بوجيفال» بساعة واحدة، وهذا نصها الذي لا يزال عالقًا بذهني حتى الساعة:
سيدتي:
أريد أن أقابلك غدًا في منزلك من الساعة العاشرة صباحًا في شأن خاص بي وبك، وأريد ألا يكون «أرمان» حاضرًا تلك المقابلة ولا عالمًا بها، ولا بأني أرسلت هذه الرسالة إليك، ولي من حسن الرأى فيك ما يُطمعني في أن يكون ما سألتك إياه سرًّا بيني وبينك حتى نلتقي، والسلام.

دوفال
فلما قرأتها علمتُ ماذا يريد من تلك المقابلة، وشعرتُ بما وراءها، بل علمتُ بما دار بينك وبينه من الحديث، وأنك امتنعت عليه حتى يئس منك، فحاول أن يدخل عليك من بابي، فحدَّثتني نفسي أن أرفض مقابلته، وأن أكاشفك بكل شيءٍ، ثم استحييتُ من نفسي، وأكبرتُ أن يعتمد عليَّ رجل شريف كأبيك في كتمان سرٍّ بسيطٍ كهذا السر فلا يجدني عند ظنه، وطمعتُ في أن أنال منه عند المقابلة ما يطمع أن يناله مني، فكتمتكَ أمر الرسالة، وكتمتكَ ما في نفسي منها، ولم أكن كاذبةً في شكاتي وألمي حينما قلت لك في تلك الليلة إنني لا أستطيع البقاء بجانبك، وسألتك أن تقودني إلى مخدعي، فقد قضيت في فراشي بعدما فارقتك ليلةً لم أقضِ مثلها في جميع ما مر بي من ليالي الهموم والأحزان، حتى أصبح الصباح فألححت عليك أن تذهب لمقابلة أبيك، وأنا أعلم أنك إن ذهبت إليه لا تراه، ولا تنتفع بمقابلته إن رأيته، ولكني خفت أن يزورني فيراكَ عندي فأصغر في عينيه، ولا أَشَدَّ عليَّ من ذلك.

وما هي إلا لحظات قليلة حتى وصل إلى «بوجيفال» في الموعد الذي ضربه في كتابه، فاستأذن عليَّ فأذنت له، فدخل، فرأيت في عينيه جمرةً من الغضب تلتهب التهابًا، فلم أحفل بها، ودعوته للجلوس فلم يفعل، ولم يحيِّني بيده، ولا بلسانه.

وكان أول ما استقبلني به قوله: «ماذا تريدين أن تصنعي بولدي أيتها السيدة؟» وظل ناظرًا إليَّ نظرًا جامدًا ساكنًا لا يطرف ولا يختلج! فعجبت لمدخله الغريب، ونظراته المترفعة، ولهجته الجافة الخشنة، وامتعضتُ في نفسي امتعاضًا شديدًا حتى كدت أقول له — ولا أكتمك ذلك: «تذكر يا سيدي أنك في منزلي، وأنني لم أدعُكَ إلى زيارتي، بل أنت الذي دعوتَ نفسك بنفسك.»

مذكرات مرغريت Where stories live. Discover now