الفصل الرابع ( ولادة جديدة)

5 1 1
                                    

مرت الايام والاشهر والسنين ، ولأكون صادقاً معكم مرت عشرون سنة تماماً على زواجهم ، واخذ الشيب يغزو شعرهم ..
كان ذلك اليوم من اجمل ايام حياتهم لم يشعر وجدي وسعاد بتلك الفرحة منذ سنين عندما اخبرهم الدكتور ياسين أن وجدي قد تحسن تماماً ، وسوف يكون هناك حمل بأذن الله..
وفعلاً حملت سعاد ، وكبر بطنها ، وأخذ وجدي يتحسس الطفل ويشعر بحركاته ونبضه ، وتمنى لو يستطيع لمسه وتقبيله ، لكن يجب ان ينتظر وينتظر ، حتى ذلك اليوم الذي كانت سعاد في صالة العمليات لأقتراب ولادتها ، لابد له ان ينتظر .
آه .. ما أصعب الانتظار وقلبك يحترق من الداخل ، عندها اما ان يلقى عليه بالماء فينتعش ويشفى ، او يلقى عليه بالحطب ، وعندها لو تزاحمت كل غيوم السماء ما اسعفته امطارها ...

ضجيج ، رائحة منظف الارضيات التي تلقي به العاملة على ارضية الغرفة ، خوف ام فرح .. بكاء .. سعادة ، اختلطت المشاعر ، لم يخرجه من تلك الدوامة الا صوت الممرضة وهي تقترب من وجدي لتبشره بطفلة صغيرة جميلة ، وسلامة زوجته ، مادة يدها تنتظر الاكرامية ، كان وجدي في تلك اللحظة مستعد ان يعطي كل ما يملك ويحتضنها ويبكي الا انه تمالك نفسه وركض بأتجاه زوجته .
اوقفته عند الباب ممرضة اخرى او يبدو انها هي المسؤولة عن تسجيل الولادات وأخبرته ان زوجته تحتاج الى الراحة الان ، فقد غطت في نوم عميق ، وأشارت له ان يتبعها الى غرفة صغيرة ، وعندما جلس قالت :
( مبارك عليكم الطفلة ، الحمد لله صحتها كلش زينة ، هسه اريد اعرف شنو راح تسميها حتى نكمل اجراءات شهادة الولادة )
وجدي : ( ابتهال... راح اسميها ابتهال)

نظرت اليه بأبتسامة وقالت : ( تمام ، انتظر راح اكمل اني الاجراءات  ، وانت اذا تريد روح ارتاح مبين من عيونك ما نمت الليل كله ، ومن تجي ان شاء الله يكون كلشي جاهز.

أستلقى وجدي على كرسي في غرفة الضيوف ، واخذ يفكر بوجه طفلته الصغيرة وهو يحاول رسم صورة لها في مخيلته ، تشبه صورة سعاد ، لكن بتفاصيل صغيرة الى ان غط في نوم عميق والابتسامة على وجهه...
اليوم وبعد مرور عدة سنوات كان المكان يضج بالحشود التي تجمعت من أجل الاحتفال بعيد ميلاد ابتهال العاشر ، من اقرباء واصدقاء وجدي بالعمل ، وصديقات ابتهال في المدرسة ، واهل سعاد وأقاربها ، فأصبح المكان مكتض والفرح في وجه الجميع ، كبرت ابتهال ، أخذت من لون عيون امها وجمال بشرتها وانسدال شعرها ونعومته ، لكن ايضا لم تكن تخلو ملامحها من وجه ابيها وابتسامته فكانت جميلة جدا تحسدها كل من رأتها .
كانت ابتهال متفوقة في دراستها وحريصة دائما ان يكون أسمها ضمن المتفوقين الذين تختارهم الست عالية ، وتبارك لهم هذا الاجتهاد وتحثهم على المثابرة وتسلمهم الهدايا مع ابتسامة وقبلة تطبعها على جبين كل واحدة منهن.

كان حلم ابتهال ان تكون دكتورة صيدلانية ، فقد كانت غرفتها ممتلئة بالكتب الخاصة بالادوية وكل ما يخص الطب اضافة الى كتب التنمية التي تقرأها في ساعات فراغها ..

تحقق حلم ابتهال ، لكن كان يتوجب عليها ان تذهب الى غير محافظتها ، بعد ان تم قبولها في كلية الصيدلة / محافظة الانبار .
في البداية كان وجدي معارضاً لذلك فهو لا يتخيل ان تدرس ابنته في مكان بعيد عنه ، ولكن اصرار ابتهال وخاصة كانت مدللة جداً ولا يستطيع ان يرفض لها امراً ، وهو يعلم جيدا ان هذا هو حلمها ولن يقنعها بغيره ابداً ، فوافق بشرط ان يأخذها هو بنفسه وتعود معه ، الا ان ذلك كان يسبب في ارباكه عن عمله وتأخيره في اعداد التقارير لأرباح وخسائر الشركة ، وكان المدير مستاء جداً من ذلك ، فلم يجد سبيلاً الا ان يتقبل الامر ويضع ابنته في الاقسام الداخلية ، ويواصل هو عمله وفعلاً تم ذلك..

لم تكن الا سرابا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن