انا اتذكر كل هذه اللحظات وكأنه شريط يعاد تكراره ، في تلك المرة كنت فرحا والان اعيش نفس اللحظات ، لكن بحزن ، هل هو وهم ام حقيقية ، هل انا احلم ؟ اتمنى لو كنت حقا احلم...
اخرجه صوت دكتور نبيل من هذا الصراع بداخله بقوله: ابنتك يا حاج وجدي مصابة بمرض خبيث ولم تعيش الا فترة قليلة .
تمنى لو رصاصة مزقت احشائه ولم يسمع هذا الخبر ، تمنى لو انه لم يكن موجودا .. كيف له ان يعيش بعد اليوم ، كيف سيخبر سعاد بذلك..
خرج وجدي من غرفة الدكتور وملامحه تغيرت جذرياً ، وكأنه كبر عشرون سنة اخرى ، هذا ما لاحظته سعاد على ملامحه ، شحوب وجهه ، ابُيض شعره بالكامل ، ركضت نحوه تحاول فهم ما دار بينه وبين دكتور نبيل ، نظر الى عينيها طويلا صامتا ، كأنه يريد ان يتزود من رؤيته لتلك العينين التي طالما احبهما ، لم تتغير ملامحها رغم تقدمها بالسن ، كانت تلك سعاد التي احبها ، وقال لها بصوت حزين :
( سوف نفقد ابنتنا يا سعاد ، ابنتنا ضاعت ، سوف تختفي من حياتنا الى الابد ) شرح لها كل ما قاله له الدكتور نبيل ، لم تتحمل سعاد ذلك الخبر ، بكت .. صرخت ، الى ان اغشي عليها
لم يستطع الاطباء اسعافها رغم هرولتهم بسرعة نحوها ، انقطع نفسها ، انقطعت عن هذا العالم ، تركت وجدي وحده يشاهد ابنتهما وهي تموت ، لكنه هو الاخر كان يموت ببطء ..
ظل وجدي ملازما ابنته ينظر اليها يحاول التزود منها ، لا يكف عن البكاء ..
علا ضجيج وصراخ الاطباء تدهورت حالة ابتهال كثيرا ، استخدموا جهاز الصدمات ، حاولوا بأي طريقة ان ينعشوا قلبها ، لكن بلا امل ، كيف لقلب تحطم ان ينبض من جديد..
لقد ماتت ابتهال منذ ذلك اليوم الذي شاهدت فيه احمد وجمانة يقبلان بعضمها واليوم تركت هذا العالم لتلتحق بوالدتها التي سبقتها وتترك اباها وحيدا .. هائما ...
اخذ وجدي ابنته ، غسلها ، كفنها بنفسه وصلى عليها ثم حفر قبرها بيديه الهزيلتين ، ينظر اليها وهي جثة هامدة لا تنظر اليه .. لا تتكلم ، يريد ان يبكي لكن دموعه جفت ، ضعف بصره كادت عيناه ان تُبيض ويفقد بصره كليا ، لم يعد يهمه ذلك لم يبقه له شيء ينظر اليه ، اصبح وحيدا يتذوق مرارة الفقدان ...
لا احد يشعر بذلك الالم الذي يجتاح جسدك انت فقط من تعانيه ، ان هذا الالم بنته تلك اللحظات الجميلة وتألمه الذكريات ، ما امر الفقدان وما اصعبه....
وقف وجدي منهارا .. محطما ، وسط قبر سعاد وابتهال يتكأ على شاهد قبر ابنته وقال بصوت خافت حزين :
( انا ممتن الى اهلي .. الى اصدقائي.. الى وطني.. الى هذا العالم...
شكرا لله الذي لم يخذلني حين دعوته أعطاني ثم سلبني ، لم اسأل لماذا ولم اتجرأ على ذلك مطلقا ، لأني اعرف انه وجد في ذلك خيرا لي فأنا احسن الظن به..
لقد عشت هذه الحياة بحلوها ومرها رغم اني اعلم تماما انها لم تكن الا سرابا)
ثم سقط وهو يحتضن شاهدا القبران ومات .. لم يستطع ان يعيش بدونهما ابدا فقد انتهت حياته بفقدانهما .....
...... انتهت.....
أنت تقرأ
لم تكن الا سرابا
Short Storyرواية مزيج من الواقعية والخيال ، من الحب والحرب والخذلان والفقدان والانكسار لتنتج هذه القصة اتمنى لكم قراءة ممتعة ♥️