اقتربتُ لأصعد المنبر وأقذف سهام الشوك والحنظل على هذا المتعجرف الأخطل فسبقتني امرأة قد التثمت بلثام الشرف لتكون قدوة للخَلَف أخذتها عن مَن سلف فنطقت بمنطق البيان إذ قالت:-
-JIHAD- [طلاع الأنجد]:
" الحمد والتسبيح، والمجد والتقديس، والتذلل بالسجود، والإذعان بالخصوص، لمن جعل بين الناس حميراً على قدمين يمشون ليعتبر بهم ذوي العقول، دلنا على فضل اللب بسفههم وأظهر لنا مغبة الحمق بجهلهم، والحمد لمن اقتضت حكمته أن يفضل بعضهم على بعض ويجعلهم درجات فمنهم العربي الشريف ومنهم الأعجمي الوضيع لا يخفى ذلك على ذي الحس السليم، أحمده حمد معترف بجزيل الإرفاد، وأعوذ به من وبيل الطرد والإبعاد، وأشهد أن إله إلا الله لا شريك له، شهادة أدخرها ليوم المعاد.
ثم الصلاة والسلام على النبي الأمين الذي أوحي إليه بلسان عربي مبين جحده كل كفار أثيم واتبعه كل صادق مريد، وعلى آله وأصحابه ذوي الإبل والغنم، وسكان الشعر والدم، يجود أحدهم بقوته، ويتفضل بمجهوده، ويشارك في ميسوره ومعسوره، ويصف الشيء بعقله فيكون قدوة، ويفعله فيصير حجة، أدبتهم أنفسهم، ورفعتهم هممهم، وأعلتهم قلوبهم وألسنتهم، وافتتح الله دينه وخلافته بهم إلى الحشر، فمن وضع حقهم خسر، ومن أنكر فضلهم خصم.
وبعد، فاسمع يا هذا لعلك تهتدي لفضيلة الصمت وتخرس فتريحنا من سفاهتك وسفاسفك فقد آذيتنا بريح جهلك وضجتك التي تظنها طبولاً يطرب الأسماع وما هو إلا صياح يستفز البشر والسباع، جاهل لا تدري ما تلوك به لسانك ولا تعلم أين وضعك الله يجعلك عبرة لخلقه، تحسب إشاحة أنظار الناس عنك احتراماً لك لفرط جهلك وتظن مسحهم لعرق الجبين من وطأة قولك لسواد بصرك وما هو إلا أنهم يشعرون عنك بالخجل ويحسون عوضك بالحياء لطول لسانك وقصور عقلك.
تحسب أنك مجتهد أتى بجديد وأنت مقلد يردد فوق ما يسعه أن يستوعب، وضيع لم يجد ما يعلو به على من نال الفضل بهمته فراح يفتش وينقش لعله يعثر على المثالب مقلداً في ذلك أجداده الذين وضعوا عن الرسول أحاديث وكذبوا في ذلك وافتروا لعلهم يظفرون بعشر التبجيل الذي يناله الأعراب لما اختصوا به من مكارم الأخلاق، عجباً هل ظن قومك أن صدق العرب يرتاب فيه بحديث كذب؟ أخطئوا الظن إذاً فما منع القافلة أن تسير نباح الكلاب وهي تصيح.
تحسب أنك تأتي بعظيم ينسف خرافات طالما صدقها الناس وهم والله ما اجتمعوا حولك إلا للتندر بعقلك والاستخفاف بحديثك، فخذ مني هذا أتصدق عليك به لعلك إن فقهت بعضه يستر ما كشفته من عورتك وينسي الناس ما كان من طرائفك، وإن كنت أرى الصدقة لا تحل للمجنون لكن الضرورات تبيح المحظورات ومنها أخذ الحيطة لئلا يغتر بهذيانك الجواري والصبيان، فأقول بعد الاستعاذة بالله من شر وشره كل دابة هو آخذ بناصيتها: