Part 3
" فلاش باك ":
على سفح هاوية احد المناطق المعزوله , قريب غروب الشمس , حيث تبع مارت مديره حتى وصوله , واختبئ في احدى الاماكن المطله ليعرف من هو جمال الذي سيؤدي بنهايته وكشفه , محاولًا إيجاد حل يمنع ذلك , وفي وسط فوضى افكاره , تقدم شاب في مقتبل عمره , يبدو من هيئته صغر سنه .. وحسنًا قتله لم يكن ضمن خيارات مارت لحل معضلة كهذه , ولا سيما ان لا ذنب له اولا , انه شاب يقوم بمهمه اوكلت اليه , وثانيًا , القتل وما شابه شيء يثقل روحه
وما زاد الأمر صعوبه وسط فوضى افكاره هذه , ان لا وقت لديه , ف ها هو يرى مديره يجتمع بالفتى امامه , وسيخبره لا محال , وك خيار اول ل كسب الوقت اكثر , اطلق رصاصات عشوائيه لتصيب الارض لا احد , وسط فزع مديره والشاب الذين تفرقوا مجرد اطلاق النار مختبئين .
ليرفع مارت هاتفه واراد الاتصال ب اخيه , ول اسباب كثيره امتنع عن ذلك , لأن خيار فارتولو الاول والوحيد سيكون تهريبه خارج البلاد وابعاده عنه في سبيل حمايته , لطالما ذاتًا رفض عمله هذا والقاء نفسه بالنار من اجلهم , وصمت بسبب جلال واصرار مارت , لينزل هاتفه , وناظر مجددًا من مكانه الذي يكشف كل شيء , حيث اين اختبئ الفتى ايضًا , ليذهب من خلفه مسرعًا وضرب مؤخرة رأسه بفوهة السلاح , ليخر الأخر مغشيًا عليه بين يدي مارت , حين وقع هاتفه الذي كان يحاول محادثة المدير به , ليأخده مارت , وجر الرجل الى احدى الخرابات القريبه نسبيًا , وكبل ايدي الرجل , وسط حيرته وخوفه , ورفع هاتفه متصلًا بجلال كي يجد حلًا لمصيبته , و ما ان اجاب جلال , ليقل مارت بفزع : بابا , سيكشف امري .
بالجهه الأخرى حيث نهض جلال مفزوعًا وقال : كيف ذلك ؟ ماذا حدث يا مارت ؟
=المدير وضع رجلا يراقبك , وقد رآني مؤكدًا !
-اين هو الرجل ؟
=انه معي , لقد افقدته وعيته , يجب ان نجد حلًا .
-مارت ...
=بابا لا افعل , تعلم انه لا يمكنني ان افعل .
-اعلم يا بني , ولكن انا وانت في قبضة هذا الرجل , ان لم تقتله , سيكشف امرك , انظر لا اهتم لأمرى البته , اموت من اجلك يا بني , ولكن انت , ستنتهي مسيرتك وستزج بالسجن سنوات طويله , فكر انت , اما ان تنهينا جميعًا و انا واخيك , وانت اولًا , او الانتهاء من هذا الرجل .
ليجبه مارت بكل عجزه وبكاؤه المكتوم : ولكن بابا انا لا استطيع , وماذا لو علم يوسف ب امري ؟ انه هنا واللعنه يبحث عنا بالقرب , لا يوجد وقت, ارجوك افعل شيء .
=ارجوك انت يا مارت , فكر ب اخيك , ان كشف امرك سيتم الامساك به .
-لن يحدث , لن يحدث , انا سأعترف وسأسلم نفسي , لن اسمح لأذى ان يمسه ويمسك .
ليجبه جلال بكل غضب وقد صرخ به : كأن فارتولو سيسمح بذلك , سيحرق العالم ويخرجك ويأخذ محلك , الا تعرف اخيك !! انهي الأمر لا يوجد وقت .
اغلق مارت الهاتف وسقطت دموعه , لا يمكنه , لا يمكنه قتل روح بريئه لم تفعل شيء سوى انجاز عملها , ليدور حول نفسه تائهًا بعجزه وافكاره وقلة حيلته , حتى قاطع شروده رنين هاتف الرجل امامه , لينتشله ليجد المتصل يوسف , ليجب دون رد ليهم يوسف قائلًا : ها جمال يا بني اين انت ؟ يبدو اننا مراقبين من ذلك العميل , لا اعلم كيف علم بوجودي هنا ولا ب امرك , لا يهم , ارسل لي الصور واسمه , واختفي قد يؤذيك ..
تنهد مارت وقد علم ان المدير لم يعلم بعد ب امره , ليقل يوسف : جمال , هل انت بخير , هل تسمعني ؟
ليغلق مارت الهاتف , وقد علم يوسف بداخل نفسه ان جمال بين يدي عديم الشرف كما يسميه ..
اما مارت الذي ناظر الرجل المكبل امامه وقد وجده استيقظ , ورآه ك امر مفروغ منه حتى لو كان وسط غباش رؤيته , وفكر قليلًا , هل يتركه ,ويسلم نفسه واخيه وعائلته التي احتضنته من الشارع لحماية مبادئه , ام مبادئه وعدم قدرته على فعل شيء كهذا ؟
سقط دموعه ورفع سلاحه قائلًا : سامحني .
نفى الرجل برأسه متوسلًا بتعب , الا ان مارت قد اطلق في عدة اماكن حيويه مؤكدًا موته , وهرب من هناك راكضًا حتى ابتعد , ثم توقف مستندًا على جذع شجره مفرغًا ما في جوفه , بالوقت ذاته الذي سمع به يوسف صوت اطلاق النار , ليركض باحثًا وسط اتصاله ب فريقه ل ارسال دورية شرطة الى العنوان الذي ارسله .
"انتهاء الفلاش باك "
التف فارتولو , حين انهى حديثه الى اخيه , الذي بدى كمن يختنق ب انفاسه حين ذكر موضوع القتل مجددًا , ليهم فارتولو نحوه , واحتوى وجنتيه ثم قال : انظر الي , تمام مضى وانتهى , مضى وانتهى , فعلت ما توجب عليك فعله .
لينفى مارت برأسه يمنى ويسرى وناظر اخيه بعجز ثم قال : لا يمضي , لا يمضي , اشعر وكأنني امشي على الجمر , قدماي لا تسعفني ..
ليكمل فارتولو : تشعر وكأن كرة من نار تأخذ مكانًا في جوفك , وكأن الكون ب اكمله يطبق على صدرك , ريح عاتيه تعصف بقلبك , تشعر بالفراغ بعقلك ..
اومئ مارت ليقل فارتولو: ولكنك مجبر على ابتلاعها , مجبر بالعيش بكل هذا الثقل ..
-لم يفعل شيء , لقد قام بعمله .
=عمله كان اذيتك , كنت ستموت او تسجن , لقد حميت نفسك
-لماذا ؟
=لماذا ماذا ؟
-لماذا منذ طفولتنا ونحن مجبورين على حماية انفسنا ؟ لماذا اضطررت وانت ابن الثانية عشر ان تقتل رجلًا كي تحميني وتحمي نفسك ؟ لماذا لا يوجد من يحمينا , كنا اطفال , لا نعي شيئا , جل ما نريده , حضن ام وعطف اب , فراش دافئ يأوينا .. كبرنا ونحن ننتزع اللقمه من فم الاسد , نحارب كل شيء , حتى حقنا بالحياه .
-ضريبة العيش ك عديم جذر .
=هل هذا خطأي ؟
-المؤسف انه لا , نحن ندفع ثمن اخطاء غيرنا .
=اشعر بالقرف من نفسي , ماذا لو وجدت عائلتي ؟ هل ستقبلني امي ان علمت ان ولدها قاتل .
نهض فارتولو بغضب من مكانه ورغم كل شيء حاول تمالك اعصابه مراعيًا حالة اخيه ثم قال : امي وامي , ابي وابي , عائله ولا ادري ماذا ايضًا , ادرك ذلك يا بني , كل ما تعيشه الان , لأن عائلتك تخلت عنك .
ناظر مارت اخاه وقد كسر شيء داخله , ليقوس شفتيه حزنًا , بينما ادرك فارتولو قسوته , ليعود نحو اخيه وجثى حتى اصبح مقابلًا له تماما وقال : ادرك ذلك , العائله ليس سوى شيئًا سيئًا , ان اردت ان تكون جيدًا , فكن جيدًا من اجلك , من اجل عائلتك التي ستبنيها انت , ليس من اجل اناس تخلوا عنك
-وما ادراك انهم تخلوا عني؟ ربما خطفت ؟ ربما اضاعتني والدتي , ربما هي تبحث عني , ربما لدي اب واخوة .
=الا اكفيك انا ؟
ناظره مارت وسط بكاؤه , ثم ابتسم وقال : لا يمكنك وضع نفسك معهم بنفس الكفه !
-هل كفتهم الراجحه اذا ؟
=لا ترجح كفة احد لدي سواك , انك اخي وابي وصديقي .. انت كل شيء لدي في هذه الحياه , النور الذي ظهر وسط عتمتي , اليد التي مدت الي ومشت بي نحو الامان , الكتف الذي حملني حين خارت قوتي , لا يمكن ان تقارن نفسك ب احد يا اخي ..
ابتسم فارتولو بحزن ليكمل مارت : ولكن , ادفع عمري كله , لأرى وجه امي , لأعلم فقط ان تخلت عني ام ضعت منها , لأعلم اسمي الحقيقي , متى ولدت ..
ومن ثم تنهد بتعب وقد بدأ يسيطر عليه نومه وقال : لو كان لدينا عائله ما عشناه كل هذا ..
ليتنهد فارتولو بحزن ونهض من مكانه وسط حزنه وغضبه , ورفع اخيه , واخذه الى منزله ووضعه على سريره , حيث بقي طوال الليل فوق رأسه يراقبه بقلق وحزن يصاحبهم غضب .
.........
مضى الليل ب اكمله وشرقت شمس يوم جديد , حيث كان مارت نائمًا على سريره بتعب , وبجانبه يجلس فارتولو على الاريكه , شاهدًا على كل هلوسة اخيه طوال الليل , ثم رأى الذي امامه يتعرق ويهذي , ليقترب منه محاولًا ايقاظه , ليفزع مارت بخوف وعاد للخلف , ليقل فارتولو : لا تخف , لا تخف انه انا .
اومئ مارت محاولاً اخذ انفاسه , وقدم فارتولو كأس الماء لأخيه ليأخذه مارت ثم قال : هل بقيت هنا ؟
-لم استطع تركك , ومن ثم لم تخبرني ماذا حدث تماما بالأمس
=لا تدخل الى هناك يا اخي
-ادخل مضطرا , وجب عليك اخباري كي اتصرف .
تنهد مارت ثم اخبر اخيه بكل ما حدث منهيًا حديثه : لقد ربطت يداي , لم اجد حلًا .
ليقل فارتولو بغضب : لماذا لم تتصل بي ؟
-اردت ذلك .
=ولكنك لم تفعل , هل لك ان تخبرني عجبًا ؟
ليقل مارت بغضب : ربما لأن خيار فارتولو الوحيد حينها سيكون ابعادي .
-ما زال خيار قائمًا للعلم .
=انا لن ابتعد عن هنا , لن تبعدني عنك وترمي نفسك بالنار بدلا عني .
-سأفعل ، انت ستذهب من هنا ، انا لن ارميك للخطر بيداي ، لا شيء في هذه الحياه يستحق مني ان اضعك بنفسي في هالة خطر قد تؤذيك .
=أخبرتك أنك لن تفعل ، اقسم لك ، ان فكرت بالأمر حتى ف اول ما سأفعله هو تسليمي لنفسي وانت أدرى .
لينهض فارتولو غاضبًا واجابه : من تهدد أنت يا هذا ؟
-تعلم أنني افعلها ومن ثم كم مرة تكملنا في هذا الموضوع .
=وتعلم انني لن اسمح .
-لست اعند منّي
=انت لم ترى عِنادًا بعد .. ماذا لو علم ب أمرك ؟
-لكنه لم يعلم !!
=لقد علمت ب أمر المخبر الذي وضعه خلف أبيك بالصدفه يا هذا ، تخيل فقط لو لم تسمع ! إنك حتى لم تطلب مساعدتي .
-لأنني اعرف النتيجه واللعنه ، انظر لم اطلب وفعلت كل هذا ، ماذا لو طلبت؟ انك تخنقني حقًا ، هل تلاحظ هذا ، لست طفلًا ، استطيع حماية نفسي !
=هل أصبح الأمر هكذا اذا ؟ اصبحت اخنقك يا مارت!
تنهد مارت بغضب ليقل فارتولو : ليكن كذلك ولكن يكفيني ان لا تتأذى ، لأنه ان خدش اصبعك فقط احرق الكون ولا يهمني أحد ، سمِّها خوفا او هوسًا ولكن حمايتك مسؤوليتي ، انا اعطيتك عمرًا من عمري ، لن ارمي بك الى الخطر ! ولكن سلمت حقًا .
ومن ثم التف ناويًا الذهاب ، ليمسك مارت بيد أخيه وقال : آبي ..
توقف فارتولو ليتقدم مارت امامه ثم قال : تعال لنجلس قليلًا .
تنهد فارتولو وتبع اخيه ليقل مارت: تفوهت ب اشياء لا اعنيها ولكن اشعر ان عقلي سينفجر ، لا يستوعب ما مررت به
ناظره فارتولو بنظرات فهمها مارت وقال : أفهم سبب خوفك ، انه تمامًا سبب خوفي ، انا لا اريد تركك ، انا اتطمئن عليك وانا بجانبك ، لأنني اعلم ان نفسك لا تهمك ، تضع نفسك بالمقدمه واي شر ليصيبك انت ولا يصيبني او أبي ! انا لن اتركك ، انت لم تتركني ، وانا لن أفعل ، هذا كل ما في الأمر .
تمام مررت بشيء سيء ، ولا اريد تجربته مجددًا ا، جوفي يحرقني ، والندم يبتلعني ، ولكن سأمضي مجبورًا ، مثل كل شيء عشته في هذا الحياه .
امسك فارتولو بيد أخيه ثم قال : إنها المره الاخيره يا مارت ، ان علمت فقط ان خطر تعرض لك ولم تخبرني ، دون ان ترجع الي ، ستبتعد
-هل ما زلت غاضبًا ؟
=انا سأذهب
-لتتناول فطورك معي
= لا تتظاهر أنك بخير امامي , اذهب وابكي .
وخرج غاضبًا تحت انظار مارت الذي قال بحزن وقد اخذت الدموع مكانًا بعيناه : فظ جدًا .
.............
اما فارتولو الذي توجه الى مطعم ابيه فورًا بعد خروجه من عند اخيه , ليدخل بهدوءه المعتاد ولكن غضبه واضح , ليقل جلال : ما حالك هذا ؟
=ما به حالي ؟
-الا تكف عن كونك غاضبًا يا بني !
ليناظره فارتولو بذات الغضب وقال : لقد طلبت من مارت ان يقتل ذلك الرجل !
-لقد كشفه .
=ولكنني اخبرتك انني لا اريد لأخي ان يعيش اشياء كهذه .
-هل كان لدي حل ؟
=اللعنه , كنتم ستخبرونني !
-لا ترفع صوتك , من امامك ؟
ليهدئ فارتولو من روعه ثم اكمل بذات الغضب : مارت , اخي , لا يوجد لدي احد سواه ,هو صلتي الوحيده بهذه الدنيا , احرقها واحرق نفسي من اجله , وانت تعلم هذا !
-هل تظن انني سعيد بما عاشه ,ولكن كان سيرمي نفسه بخطر اكبر ان لم يتخلص منه يا بني !
=كنتم اخبروني , وكنت سأحل الأمر .
ليتنهد جلال واقترب من ولده , الا انه ابتعد كعادته قليلًا الا ان جلال عاد الكره وامسك بيده واجلسه بجانبه ثم قال محاولًا سحب غضب ابنه : هل كنت عاجزًا عن ارسال رجالٍ يحلون الأمر من جذره ؟ ولكن مارت اخبرني متأخرًا حيث المخبر امام المدير وسيخبره , شتت امرهم مارت قليلًا واخبرني , لم يكن لدينا حلًا سوى هذا , تمام وانا لا احب ان اجعله يفعل شيئًا لا يحبه , ولكن خرج الامر هذه المره من تحت سيطرتنا , ولكن اعدك .. لن يحدث مرة اخرى ,الا تثق بي ؟
ناظره فارتولو وقد هدأ قليلًا , ليمد جلال يده ليمسح على وجنتي ابنه , الا ان فارتولو ابتعد للخلف قليلًا , ليغير طريق يده نحو كتفه وربت عليها قائلًا : وانت ايضًا , لم تكن تحب هذا الأمر , وقلبي يؤلمني عليك و ....
ليوقفه فارتولو قائلًا بغضب : لا يؤلمك , انا سعيد جدًا بوضعي وبما افعله .
اومئ جلال ثم قال : ماذا حدث اذا ؟
=بماذا ؟
-بدخولك الى ذلك الحي !
=اخبرتك ان لا داعي له , سأذهب انا الى افغانستان واحل الأمر هناك .
-اخبرتك ان الأمر سينتهي من هنا , هذا الحي آمن ولا تصلنا يد يوسف هناك , لا اعلم سبب رفضك , انا ارى ان هذا جيدًا , وانت ستفعله , اصبحت ارى كلامي يعاد مرتين وثلاثه , لم امت بعد
تنهد فارتولو وناظر جلال بقلة حيله ليكمل جلال : ولا تنسى مساء الغد لدينا اجتماع مع تجار الاثار .
اومئ فارتولو صامتًا وما ان التف خارجًا ليقل له جلال : ولا تقلق من اجل مارت , سأحل انا الأمر معه .
............
اما مارت , الذي ما زال في منزله ممدًدا على سريره , فلا طاقة لديه حتى لتحريك يده , صداع لا يهمد , وضجيج لا يزول , يطالع السقف بتعب دون حول منه ولا قوة , ولا يتكرر برأسه سوى مشهد قتله لذلك الرجل البريء ,ليقل بخفه : هل ستعانقني والدتي ان علمت ان ابنها قاتل ؟ ماذا عن ابي ؟ هل سيتبرئ مني ؟ هل سيقول جئت بعد كل هذه السنين وبلائك يفوقنا لتبتعد عنا ؟
ثم شهق باكيًا وهو يقول : اني ابتعد عن هذا الأمر ولكني افعله رغمًا عني , اجدني متلطخًا بالقذاره اكثر كلما حاولت سحب نفسي ! ربما اخي محق , ربما وجب علي الابتعاد والبدء من جديد في حياه نظيفه ..
ومن ثم نهض وقال : لكن .. انا لا يمكنني الابتعاد .. اخي هنا , وابي هنا ايضا , وبالتأكيد عائلتي هنا , في مكان ما .. ربما لدي اخوة واب وام يبحثون عني .. ماذا لو ابتعدت !
ليقل بغضب بعدما رمى كأس الخمر الذي بجانبه ارضًا: اي عائله بعد سنين طويله , هل تعلم اسمك الحقيقي انت ؟ هل تعلم اين ولدت ومتى !! انك لا تعرف عمرك حتى , لا يوجد لديك صوره واحده لك وانت طفل ! كيف سيتعرفون عليك !
ومن ثم لانت نبرته واكمل محدثًا نفسه مثل المجنون : واخي ! لقد عاش الكثير في سبيل حمايتي , انه يلقي نفسه بالنار ولايلقي بالًا , كيف سأتركه واذهب !
ولكن .. ولكن هذا الشعور , لا يذهب , لا يذهب واللعنه , لا اريده .
ليعاود الجلوس محتضنًا نفسه يطبطب عليها مهونًا على نفسه سوء احداثه , حتى رفع رأسه حين سمع خطوات احدهم تأتي نحوه , واثار الامر استغرابه , حيث اخيه قد ذهب , ولا اصدقاء لديه حتى يأتون لمنزله ..
لينهض وقال : من هنا ؟
ليخرج جلال من خلف الباب وقال : انه انا يا بني !
تنهد مارت وقال : بابا ؟ هل هناك شيء !
=بقي فكري عندك , واعلم انك لست بخير , لذلك اتيت !
-لا داعي , كنت اتيت مساء اليوم الى مكاننا , ذاتًا اخاف ان تكون مراقب !
=لا تقلق , تأكدت من كل شيء !
اومئ مارت وقال : ماذا تشرب ؟ هل احضر لك شيئًا
-انك لست بخير !
=بلى ! لا يوجد شيء !
ليتقدم جلال من ولده وربت على وجنتيه ثم احتضنه , ليبادل مارت ابيه بهدوء العناق , حتى ابتعد جلال واجلس ابنه بجانبه ثم قال : في هذه الحياه , ليس كل ما نريده نحصل عليه ..
-المضحك بالأمر ان كل ما اردته لم احصل عليه .
=لا تمشي الحياه دومًا بناءًا على رغباتنا ! قد تنظر من هنا مثلًا وتقول , الحياه اخذت مني الكثير , ولكن لو تنظر من جهة اخرى تنظر انها اعطتك الكثير , قد تقول ماذا اعطتني ؟ انها تأخذ فقط , اعلم ذلك .. ولكن انظر حولك جيدًا هناك اشياء ولكن هي فقط لا تثير انتباهك ! اعلم انك بحاجة عائلتك و تتوقك اكثر من كل شيء من اجل ان تعلم عنهم شيئًا , ولكن اقسم لك يا بني , انني حاولت وبحثت ,ولكن لم اجد شيئًا ! اني احاول ان اكون لك ابًا وعائله ,ولكنني اجدني لست كافيًا بالنسبة لك ولأخيك !
=بابا لا تقل هكذا !ما كانت حياتنا من دونك ذاتًا ! ان كان هناك نعم في حياتي وان اعطتني الحياه شيئًا ف هو اخي وانت !
ابتسم جلال ثم قال : مثلما اضفت انا شيئًا لحياتكم , ف انت اضفتم العديد من الاشياء , حتى اصبح لا وجود لجلال دونكم ..
ثم صمت قليلًا واكمل : اعلم ما عشته ليس سهلًا , ولم تحبه طوال عمرك .. ولكن يجبر المرء احيانًا , انك فعلت الصواب ,وانا فخور بك , لم تضحي بعائلتك وابيك وب اخيك ..
ومن ثم ذلك الرجل هو من تعدى حدوده ! وانت تعلم هناك عقاباً لكل من يتجاوز حدوده معنا , اريدك هكذا دومًا , لا تعتاد ,ولكن لتكن نفسك اولًا ومن ثم الطوفان من بعدك .. هل لك ان تدرك حجم الخطر الذي ازلته عنا بما فعلته ؟ فقط فكر بهذه الطريقه وستجد انك فعلت الصواب ..
-لن افعله مرة اخرى
=لن تفعله مرة اخرى , لقد خرج الأمر من تحت سيطرتي هذه المره , ولكن اعدك انه لن يحدث شيئًا كهذا مره اخرى ,وان حدث , ستخبرنا قبل ان تتصرف ب اي خطوة , سواء انا ام اخيك !
ابتسم مارت ثم قال : ذاتًا اخي اقسم على ابعادي من هنا ان حدث هذا مجددًا , اوف انه غاضبًا جدًا , قال ان حدث مجددًا ستذهب دون حتى ان ترجع الي , لا اطيق غضبه , يصبح فظًا الى حد لا يعقل .
-ولكنه لا يغضب ذاتًا الا لأجلك ومن اجلك .. هل تعلم ؟ اشتقت لأبني الصغير قبل ذاك الحدث الذي جعل منه لوح جليد , لا يشعر ولا يتأثر , اسعد حين اراكما سويًا , لأن مشاعره من خوف وغضب وحمايه لا تخرج الا لك , اني اغار احيانًا حتى , لقد اشتقت لعناقه , لسماحه لي ب احتواء وجنتيه مثلًا ..
هل تعلم كان اليوم غاضبًا جدًا من اجلك , لقد فرحت بغضبه , فرحت لأنه استطاع ان يبادلني الحديث , حتى لو كان غاضبًا مني .. جئت لأعانقه , اشاح بنفسه عني , ولا يتحدث , لا يخبرنا ما يشعر به ! اعلم ان الموضوع ليس بيده , ولكن اني اشتاق ماذا افعل ! احيانا امرر له لقمة طعام عله يأخذها من يدي فقط كي اشعر انني قريب منه و اهدئ من حبي الذي لا يسمح لي ب اظهاره .
-ما مر به ليس سهلًا ذاتًا , وهذا ما يجعلني اعذره , وهذا اكبر سبب يمنعني من السماع اليه والابتعاد , لقد عاش اشياء سيئه لدرجه يفقد بها الرجل عقله ..
=وفقده ذاتًا .. يخاف عليك مثل ابنه , ليس مثل هو يعاملك وكأنك ابنه فعلًا , لذلك كلما شعرت بحزن او اكلك الندم , تذكر انك فعلت من اجله , من اجل الرجل الذي لا يملك بالدنيا شيئا سوى اخيه .
اومئ مارت مبتسمًا ليعانقه جلال وقال : هيا , اخرج من ثوب حزنك هذا , اريد ابني الاسد امامي , هيا لأرى هيا .
.............
=عزيزي صالح !! الم اخبرك ان لا احد يخطئ معي ولا يأخذ عقابه ؟
قالها فارتولو للرجل المكبل امامه ارضًا في احدى الأماكن المهجورة وقد صاده لخطأ ما ارتكبته بعد ان خرج من عند جلال وقد تملكته افكار ومشاعر هرب منها , وقد وجد طريقه يفرغ بها هذه المشاعر .
لينفي الرجل وقال : لم ارتكب اي شيء واللعنه !
-هل اقتىلك انا الان لأنني اريد ذلك ؟ هل انا كاذب؟ ولكن لأقل لك , انك تتمادى عزيزي صالح .
=اقسم لك , لم افعل اي شيء .
-الم اضعك خلف مارت لتراقبه ؟ اين كنت حين كان وحده يوم امس !
تلعثم الرجل في حديثه ثم قال : اقسم لك حدث امر طارئ , لولاه لما تركت مراقبته ..
-اي طارئ سيكون اهم من العمل الذي اوكلته اليك ؟
=زوجتي كانت تلد يوم امس .
-اوه تهانينا , هل صبي ام فتاه ؟
تنهد الرجل بخفه ثم قال : صبي .
اومئ فارتولو ثم قال : هل تعلم , لقد اعطيتني سببًا اضافيا كي اقتلك !
=ارجوك لتعفو عني , ماذا فعلت !!
-هكذا , لا سبب اكره الاباء , جميعكم عديمين شرف , اود تخليص العالم منكم .
=ارجوك ما زال طفلي صغيرًا , لا تيتمه .
-لو علم طفلك المعروف الذي اسديته له , سيأتي ويشكرني بكوني خلصته من شر يدعى الاب .
=لا يمكنك تطبيق تجربتك على الجميع , ليس بالضرورة ان كان اباك سيئًا فالجميع سيء مثله .
جحظ فارتولو عيناه بخفه ,ودارى صدمته ب ابتسامه ثم قال : هل تعرف انت معنى الابوة اذا ؟
=رأيتها من ابي مثلًا ,حين كان يعمل عملين في اليوم فقط كي يسد احتياجاتنا , ينام بضعة ساعات لا تكفي انسان ويعود للعمل , من حذائه الذي لم يملك سواه طوال عشرين عامًا حتى ملئته الرقع , في سبيل ان لا يحرمنا من شيء قدر استطاعته , من حضوره حفل تخرجي من المدرسه واجتماع اولياء الامور رغم زحم اعماله وغضب رب عمله, من قيامه بدور الام والاب حين فقدنا والدتي , احاول ان اعطي ابني ان سمحت لي كل ما تعلمته من ابي , العاطفه والحنان , ان اكون بجانبه حين يستيقظ مفزوعاً من كابوسه , ان ارى اولى خطواته , ان اركض به الى الطبيب حين يقع او يمرض , اريد ان اسمع منه كلمة بابا , ارجوك لا تحرمني وطفلي من كل هذا ..!
كل هذا تحت انظار فارتولو الذي يسمع حديث الرجل ب اهتمام وعدم فهم , ايكون الاب هكذا حقًا ؟ لماذا لم يكن خاصته معه هكذا اذا ؟ لماذا رماه الى الشارع !! ما الذنب الذي اقترفه حتى لا يربى بكنف عائلته ؟ لما نام جائعًا وتحت رحمة الاوغاد الذين تلذذوا في تعذيبه ! لما لم يركض به احد الى الطبيب حين وقع او مرض .. ما ذنبه , ليقل : جميعكم كاذبين ! جميعكم اوغاد , جميعكم ستأذون اطفالكم شئتم ام ابيتم .
-ارجوك , ارجوك ما زال طفلي صغيرًا ! ارجوك ..
الا ان فارتولو اشهر سلاحه نحوه وقال : ستعاقب , شئت ام ابيت ستعاقب !
ليغمض الرجل عيناه مستسلمًا لنهايته ثم قال : لعنة طفلي ستلاحقك , تركه بدون اب في هذه الحياه لعنه ستلاحقك .
ليناظره فارتولو وقد تحرك داخله شيء رغما عنه , شيء فقده منذ زمن ليكمل الرجل : لا يوجد لدى زوجتي احد , سيموتون , سيتشرد طفلي ارجوك !!
كثرت الأصوات داخل رأسه واصبح يتعرق بغزاره , يطالع من امامه بنظرة ثابته ولكن بؤبؤ عينه يهتز , ورغم كل شيء وتحت الضغط الذي وجد نفسه تحته , اطلق .
وهدأ كل شيء بصوت الرصاصه , الاصوات والضجيج وتوسلات الرجل , ليفق من صدمته , وناظر الرجل الذي يتلوى ارضًا امامه من فرط المه , وكان قد اصابه في كتفه ..
ليستوعب فارتولو كل شيء حدث وتصنع الثبات او اللامبالاه ثم قال : كنت ستأخذ عقابًا مهما كان , وها قد اخذته .
ومن ثم اخرج رزمة اموال ورماها على وجهه وقال : اذهب وتعالج , وغدًا ستعود الى رأس عملك .. هذه المره نفذت , المرة القادمه ان تركت مارت دون احد , ف سأقتلك انت وطفلك ايضًا الذي عفوت عنك من اجله .
نهض الرجل وسط المه وهرول خائفًا , فقد خرج من موت محتم , بينما عصفت حراره برأس فارتولو لم يحتملها , شعر وكأن سيخ نار اخترق عيناه , فنزفت دمًا من فرط المه , ليجثو ارضًا ,وبدأ بضرب رأسه عدة مرات , عل هذا الالم يهدأ , لينهض وسط الغباش الذي سيطر على رؤيته ,وركب سيارته متوجهًا الى احدى الاماكن الذي اعتاد الذهاب اليها سابقًا ..
اجل , انها احدى العيادات النفسيه التي اعتاد زيارتها مسبقًا بضغط من اخيه وجلال ,وقد ضرب نصف اطبائها , وهدد النصف الاخر بالقتل , ليدخل مثل المجنون مشهرًا سلاحه وقال للممرضه : اين طبيبكم ؟
وكونها تعلم من هو وابن من, لتحاول تهدئته هو الذي لا يرى شيء امامه من فرط صداعه وعيناه التي اصطبغت بدماءه , ليجثو ارضًا , وضرب رأسه بالارض عدة مرات من فرط المه , ووسط خوف الاطباء منه وحرصهم على عدم الاقتراب منه , خرجت طبيبه شابه من هناك وفزعت من حالة الذي امامها , لتركض نحوه محاولًة مساعدته , وبمجرد لمسها اياه , ليرفع فارتولو رأسه وانقض على من امامه خانقًا اياها ,منعت الطبيبة اقتراب اي احد , الا ان فارتولو بدأ يهذي ويقول : لا يذهب , لا يذهب , اخرجي هذا الالم مني ! اخرجيه .
وحقيقة الامر ان فارتولو قد اعتاد عدم الحديث وكتم كل ما يشعر بداخله , حتى تحول الأمر من عاده الى اسلوب حياه , ف لا يتحدث ليس لأنه لا يريد , بل لأنه عاجز , وقد وجد حلًا بالنسبه له يرضيه ويجعله يفرغ من المه , وهو الحديث مع ضحاياه قبل قتلهم , ولكن هذه المره لم يستطع , انها المره الاولى من مئة وخمسين مره لم يكمل عمله , ف شعر وكأن قنبلة موقوته اشتغلت في رأسه وهي على وشك الانفجار في اي لحظة , حتى قادته قدماه الى هنا دون وعي منه , واكمل شادًا عل عنق الطبيبه التي طالعت اعين من امامها , لتجدها تشرح كل المه وما يعيشه , ولم يكذب من قال , ان العين مرآه الانسان .. شعرت الطبيبه ب المه فقط من عيناه , ولكنها رغم كل شيء لم تستخدم معه اي مهدئ او شيء يفرض عليه التوقف رغمًا عنه ..
لتربت على يده بخفه وقالت وسط اختناقها : اتركني كي اساعدك ..
خفف فارتولو قبضته نحو عنق الطبيبه التي انسحب بخفه من بين يداه ,وحاوطت يدين الاخر وقالت : انظر الي , انظر الى عيناي ..
ناظرها فارتولو بكل المه لتقل الطبيبه : خذ نفسًا عميقًا مثلي لأرى ..
ليجاريها فارتولو بكل تحركاتها ليأتي الممرضين نحوه لرفعه الا ان الاخر ابتعد للخلف بفزع مشهرًا سلاحه , لتقل الطبيبه : تمام , تمام لم يحدث شيء , لنذهب للداخل ,ما رأيك ؟
الا ان لا رد من فارتولو لتقل الطبيبه وهي تشير الى رأسه مع مراعاة عدم لمسه : كي نخرج هذا الالم منك , ماذا قلت ؟
اومئ فارتولو وتبع الطبيبه, التي اجلسته وقالت: هل اعطيك شيئًا يسكن المك سريعا ام ببطئ .
-يجب ان ابقى يقظًا !!
لتقترب منه وقد ركبت له محلول ووضعت دواءًا له ثم قالت: ستبقيك يقظًا ولكن ستهدئ المك , اومئ فارتولو لتقل الطبيبه: اذا اردت لتعدل من جلستك .. ارتاح قليلًا ..
ناظرها فارتولو بذات التعب وكان شادًا على جسده بقوة , ليقل : خمس دقائق , ان لم يزول هذا الالم , سأقتلك .
-هل تمضي وقتك هنا بالتهديد ؟
ليمد فارتولو يده من الابره محاولًا نزعها , لتمنعه وقالت : تمام , تمام اهدئ .
ثم اكملت بعدما مدت كلا كفيها امام فارتولو : هل تسمح لي ..
ناظرها فارتولو بعدم استيعاب , لتمد يدها نحو كفي فارتولو , لتجده يشد على قبضته بقوة , لتمسك احداهن ,وبدأت تمرر يدها فوق كفيه عله يخفف من قبضته , الا ان الامر اثار مشاعر مدفونه داخل فارتولو , ليسحب كلا كفيه من بين يداها ونهض غاضبًا حين رمى بالمحلول ارضًا ونزع الابره من يده بعنف وقد تساقطت دماءه : لاتلمسيني , هل فهمت , اقتلك !
لتنهض الطبيبه معه وحاولت مجاراة غضبه وهو تشير له ان يهدأ فقد علمت انه في عالم اخر معزول خلف غضبه وقالت : لن المسك مجددًا, اعدك , ولكن وجب عليك ان تهدأ كي نزيل المك ؟ ماذا قلت ؟ لتجلس هنا واضع لك الدواء مجددًا ..
اغمض عيناه وجلس , لتعاود وضع الدواء وتركته دون اي حديث او لمس , حتى بدأ يرتخي جسده لوحده على اثر الدواء , وحين وجدت انه قد هدأ نسبيًا لتقل : هل اصبحت بخير ؟
ليجبها فارتولو حين عاد الى هدوءه تحت تأثير المهدئ: لماذا انا ؟
-لماذا انت بماذا ؟
=اقسمت على عدم العوده الى هناك , لم ارد انتقاماً ولا حتى مواجهه , رغم اني لو افلت غضبي , لأحرقه .. ولكن اردت الاحتفاظ بغضبي حتى احرقني انا ..
-هل هو شخص تعرفه ؟
=لم اره في حياتي مرة , ورغم كل شيء , هو سبب كل سيء عشته .
-لماذا لا تواجهه ؟
=لأنني ان واجهته سأقتله .
-هل تحل كل شيء يعيقك بالقتل ؟
=انهي المسأله من جذورها , هل سأجلس واخبره بكل ما عشته من سيء ؟ هل سأنتظر منه تبريرًا ؟ هل تعلمين ؟ حين كنت صغيرًا , لقد جهزت له كلام لا ينتهي حتى اعاتبه به , كنت سأقول لماذا تركتني ! لماذا فعلت بي هكذا ؟ ما الذنب الذي اقترفته ,ولكن احترق الكلام داخلي معي حتى اصبح رمادًا .. ما الفائده من الحديث ؟ هل ان اخبرته وعاتبته سأنسى كل ما عشته .
-ما السوء الذي عشته ؟
ليناظر فارتولو السقف بتوهان , ثم اغمض عيناه , واغلق اذنه بكفه , حين شعر بلسعات الكهرباء عادت بخفه الى رأسه , لتقل الطبيبه : تمام لا تضغط على نفسك ..
ليقل فارتولو : جهنم , حتى عدت لم اعرف من انا ! من انا ذاتًا ؟ اي نسخه اعيشها الآن ! واي قلب احمله داخلي ! لقد فصلت بدلة السيء وارتديتها .. لأكون السيء دائمًا طالما ان لا احد سيؤذيني .
=اي اذى تعرضت له ؟
-اخراج المرء من انسانيته مثلًا , تجريده من المشاعر , جعله صوانًا لا يشعر مهما طرق به .
=ما الالم الذي يجتاحك اذا ؟
-هناك شيء ينهش في جسدي , انني اتأكل , اتأكل من فرط الاشياء التي اغلقت عليها داخلي وابت الخروج , فلا تجد طريقه سوى بنهش جسدي .
-الا تظن ان الامر قد يمضي ان واجهت من سبب لك هذا الالم ؟
=هل اشرح المي لجلادي ؟
-انك تقول لم تراه البته .
=انا نتاج افعاله .
-اعطني مثالًا على فعل فعله ؟
=انجابي .
صعقت الطبيبة وقد ادركت انه يتحدث عن ابيه لتقل : هل ابيك ؟
-يقولون انه ابي , ولكن ماذا تعني الابوه ؟
=ربما هناك سوء فهم , اختلاف وجهات نظر , ربما هو من سيخرج ما يملئ جوفك من غضب ومن نار , ربما سيجيب على الاسئله التي تدور في رأسك .
-سأقتله .
=اعطي نفسك فرصه , ربما يكون الحل بين يداك , ربما خلاص هذا الالم مواجهته .
-وربما زيادته هو مواجهته ايضًا .
=حين تقتله , تقتله وقد اجيبت كل الاسئله التي تملئ رأسك , لا تبقى طوال عمرك تحت رحمة هذه الاسئله التي لن تجد جواب لها .
-الكلام سهل , ولكن التنفيذ صعب .
=هل يصعب عليك شيء ؟
-يصعب الكثير , كل شيء صعب بالواقع , من نفسي حتى حديثي , وجودي صعب .
=ان اردت الأخذ برأيي , فالافضل لك ان تواجهه , مثلما كتمت غضبك , وحزنك , امنع رغبتك .. حتى تقوم بالفعل الاخير بناءًا على اجابات تخلصك من كل هذا .
طالعها فارتولو وابتسم بخفه قبل ان تغفى عينه رغمًا عنه ..
ونومه الآن , بكل هذا الهدوء , هو معجزة استطاعت هذه الطبيبه خلقها , لتضع غطاءًا فوقه وخرجت نحو الممرضه تسأل عن ملفه الطبي , لتجبها الممرضه : لقد مر على 35 طبيبًا , لم ينفع احدًا , انت الاولى .
=هل يأتي الى هنا من وقت طويل ؟
-لقد مر سنتين منذ اخر مرة قد اتى الى هنا , ولكن كان حاله قبل سنتين لا يوصف , ال 35 طبيبًا نصفهم ضرب حتى كسر شيء بهم , والنصف الاخر هدد بالقتل , وحاول حقًا قتل احدهم ذات مره ..
=ولم يوقفه احد؟
-بالواقع ان العياده تعود لوالده , فلا احد يستطيع قول شيئًا له .
-لحظة ! لقد اخبرني انه لم يرى ابيه .
=لقد تفوه ذات مره على حين غضب ان السيد جلال ليس اباه الحقيقي .
طالعتها الطبيبة بحزن وقالت : اي شيء عاشه حتى اوصله الى هذه الحاله ؟
....................
اما عند مارت , الذي تجهز بعد خروج ابيه , وتوجه الى عمله , حيث مكتب المدير الذي تفاجئ حين رآه وقال : مارت ؟ لقد اخبرني الاولاد انك متعب , ما الذي اتى بك الى هنا !
-لوحدي بالمنزل يا مديري , لقد سئمت , انسى تعبي بالاعمال وما شابه !
=هل حالك يستدعي طبيبًا ؟ انظر الي , ذاتًا وجهك شاحب حقًا ..
-صدقني لا شيء بي , انا بخير .
اومئ المدير وقال : تمام ولكن لا تتعب نفسك .
ليجبه مارت : ما حالك يا مديري , يبدو ان هناك امرًا اغضبك !
-لقد وضعت مخبر وراء جلال , وقد علم من العصفور الذي يرسل له اخبارنا !!
بلع مارت ريقه وتصنع الدهشه ليقل : حقًا ؟ من هو يا مديري , هل احد شبابنا !
-وقد قتل المخبر .. يبدو انه علم ب امره , ذهبت لأعلم منه من هو المخبر , ولكن سبقني بخطوة .. ولكن سأعرفه اين سيذهب .
تنهد مارت وقال : اي امر هذا !! هل يعقل ان يخون احد الشرطه ويتعاون مع الخارجين عن القانون !
ليقل يوسف : المال يجعل الامر يفعل ما هو اسوأ .
اومئ مارت والتف ينوي الخروج محدثًا نفسه : بل شيء اعظم من المال , شيء لا يفهمه احد .
ليوقفه المدير وقال : مارت , ماذا حدث ب امر حي الحفرة..
ليجبه مارت : ها يا مديري , سأباشر به الآن , لا تقلق ...
وخرج من هناك حيث مكتبه ليتابع عمله براحه بعدما تأكد ان يوسف لم يعلم ب امره ابدًا .
..........
اما في حي الحفره , حيث يجلس ادريس في مقهاه , يتابع الاعمال مع ابنه كهرمان الذي اخبر ابيه بوجود احد المستثمرين الذي يريد لقائه للعمل سويًا ..
ليقل ادريس : وما الاعمال التي سيعمل بها ؟
=غالبًا بالاسلحه , اي عمل سيكون !
تنهد ادريس وقال : تمام اعطه موعد ليأتي مساء اليوم , اومئ كهرمان ليقل ادريس : هل عاد جومالي اليوم للمنزل ؟
-عاد وخرج صباحًا .
=هل رأى والدتك ؟
-لم تكف عن سؤالك هذا منذ عشرين عام يا ابي ! لم يراها , ولن يراها .
=لقد كبرت كثيرًا ,وتعبت ايضًا , يكفي ما اصابها , خسرت اثنين من ابنائها .
-هل سامحتها انت ؟
=البته ! لن اسامحها , ولكن وضعي انا مختلف , انا زوجها ولكنكم ابنائها , يكفي ما اصابها من جهتكم , ولكن من جهتي , ف لن يكفيني بها موتها ..
-ورغم كل شيء ابقيت بابك مفتوح لها .
=لم اكن رجلًا يرمي احد خلفه يومًا لا سيما كان بموقف ضعف , اني انتظر ان تعود لصوابها فقط , حينها ستأخذ عقابها الذي تستحقه من جهتي .
-اي قلب تحمل انت يا ابي !
=قلب مليء بالجروح , مكلوم بفقد ابناؤه , ثلاثه ذهبوا من بين يداي وانا انظر , اي قلب سأحمل , فقط اخاف ان يمضي العمر ونحن نتبع حلم زائف .
ربت كهرمان على كتف ابيه وقال : لا تقل هكذا يا ابي ..
تنهد ادريس ليقل كهرمان : بالواقع افكر , ان اخرج امي للحي .. لقد مضى وقت طويلًا .
-هل ستقبل ؟
=سأحاول معها , ربما ينفع .
.....................
اما فارتولو الذي فتح عينه بفزع , ونهض من مكانه بذات الفزع حين وجد نفسه بهذا المكان , ليستذكر كل ما حصل , ليتنهد بغضب , ثم عدل من ملابسه وخرج , ليجد ان لا احد بالعياده سوى الممرضه , ليقل بغضب وقد ارعبها : اين الاطباء يا هذه ؟
-لقد انتهى وقت الدوام الرسمي ,وانا بقيت من اجلك .
=من اخبرك ان تبقي ؟
لتملئ دموعها جفنها واجابته : لم استطع اغلاق العياده وانت بقيت لوحدك بالداخل .
=ايها المغفله , ما شأنك انت لأبقى لوحدي .
لتسقط دموعها خوفًا وقالت تحت نوبة بكاء قد اضحكته رغما عنه ولو انه لم يظهر : اعتذر , انا فقط ..
=توقفي عن بكاؤك المزعج , هل انت طفله ام ماذا !
مسحت الاخرى دموعها ليقل : ما اسم الطبيبة التي عالجتني ؟ منذ متى بدأت العمل هنا ؟ اين تقطن ؟
-اسمها ملك , لقد جاءت حديثًا فلا اعرف معلومات كفايه عنها .
ليصمتها فارتولو وقال : تمام فهمت , هيا الى المنزل ايها الباكيه .
وخرج من هناك تحت انظارها هي التي ابتلعت قلبها من الخوف وقالت من خلفه : فظ جدًا .
وما ان وصل سيارته , حتى وجد العديد من المكالمات الفائته من مارت , ليحذف الاشعار بغضب , ثم اجاب على مكالمة جلال الذي اجابه غاضبًا : فارتولو اين انت يا بني ؟ لقد خفت كثيرًا
ليجبه فارتولو ببرود : ماذا حدث ؟ كنت احل بعض الاعمال !
=اتصلت بك كي اخبرك انني رتبت للقاءك مع رئيس ذلك الحي اليوم مساءا ,ولكن حين لم تجب خفت كثيرًا , حتى انني ارسلت الرجال للبحث وراءك .
-ما الداعي لكل هذا ؟ لست طفلًا , طوال عمري اغيب هكذا .
=لقد قلقت رغمًا عني .. ثم تنهد وقال : المهم انك بخير , لا تنسى بقي ساعتين على لقائكم , اذهب واعرض عليه ما يشاء من مال , المهم ان تتم الصفقه , ان لم يكن بالطيب ف زورًا .
تنهد فارتولو وقال : تمام .. ثم اغلق الهاتف , وبكل برود وضعه بجيبه مستذكرًا كلام الطبيبه عن ضرورة مواجهة ابيه , ليركب سيارته , متوجهًا نحو حي الحفرة ..
......
عودة الى حي الحفره , حيث ما زال ادريس يجلس متابعًا الاعمال في الحي , ومنتظرًا الرجل الذي اعطاه موعدًا من اجل صفقة جديده , ذات الرجل الذي يصف سيارته على مدخل الحفرة ..
هل هو هنا حقًا ؟ هل هو بالمكان الذي سلب منه حياته ؟ هل سيرى بعد قليل الرجل المسؤول عن تدمير حياته , الرجل الذي قلعت اجنحته بسببه ؟ هل سيستطيع منع هذا الغضب من الخروج ؟ هل سيستطيع ان لا يفعل ما فكر به طوال حياته , لقد رسم العديد من السيناريوهات برأسه لطريقة واحده قد ترضيه انتقامًا منه !
ليخفض نظراته الغاضبه وقال محدثُا نفسه : ليجب عن اسئلتك بالبدايه , ومن ثم تفنن بعذابه , ورفع رأسه مجددًا وقال لسائقه : هل كل شيء جاهز ؟
اومئ السائق وقال : رهن اشارتك يا سيدي .
ليبتسم فارتولو بغضب وقال : لنرى عملنا اذا .
تقدم السائق بسيارته مارًا بزقق الحفرة العتيقه , وكلما تقدم اكثر , كلما راود فارتولو شعور سيء اكثر , ف اي قد كان , الحفرة بالنسبه لفارتولو جهنم , ولكن لا احد يعلم انه اعتاد الحريق , ليرمي بكل شيء سيء يحتاجه خلف ظهره , وارتدى قناع اللامبالاة والقسوه , وهو يناظر مبتسمًا اولاد الحي الذين يركضون فوق السطوح معلنين دخول غريب ..
حتى وصلت سيارته الى باب المقهى , حيث ينتظره الرجل العجوز بالداخل , ترجل من سيارته , وبذات اللامبالاه توجه الى المقهى .
توقف هناكك قليلًا , حين وجد رجلًا ذو هيبه ووقار يجلس خلف احد الكراسي , وقد رسم برأسه انه سياقبل ملك او رئيس على حد تخيله , يعتلي عرش وما شابه , متغطرس ويبدو عليه الكبر , ولكن صدم بما رآه , حيث رجل بملابس عاديه يجلس خلف طاولة المقهى ويحتسي شايه , وسط اولاد الحي ..
وحسنًا زاد هذا من حقده اكثر , حين سمع احد الاولاد يقول : بابا سأصنع الشاي .
اومئ ادريس قائلًا : تمام يا بني , ومن ثم التفت الى فارتولو وناظره بخفه , وقد شعر ب شيء من الامان نحوه , شعر انه قريب لقلبه وعجز عن معرفة السبب ليبتسم لفارتولو قائلًا : تفضل يا بني , لنتحدث بما لديك ..
تصنع فارتولو ابتسامته وتقدم ببرود نحو ادريس وجلس امامه قائلًا : لدي صفقه , اما نتفق ام لا ..
=ان كان شيئًا جيدًا لما لا نتفق ؟
-لست معتادًا على الرفض ليكن بعلمك ..
=قل ما لديك اذا ولنرى .
-اعلم انك تمر بضائقه ماديه
=لقد درست درسك جيدًا اذا .
-لا اتي مكان دون ان اعلم كل شيء عنه .
=امر بضائقة ماديه ولكن تزول , لقد مررت بما هو اكبر .
-لنحل هذا الامر من جذره اذا , انا اصنع المخدرات .
=لا اوافق .
-دعني اكمل حديثي ايها العم .
=طالما هذه السموم احدى هذه الصفقه فلا اقبل .
-انك تعمل بالسلاح , ما الفرق !
=هناك فرق كبير .
-اخبرتك لست معتادًا على الرفض , فكر , دعني اصنع مخدراتي في الحي وانت ستأمن لي عدم دخول الشرطه , وانا ساغرقكم بالاموال ..
لينهض ادريس من مكانه منهيًا الحديث : لقد انتهى ما سأقوله , اشرب شايك ومع السلامه .
اخفض فارتولو نظراته الغاضبه , ثم رفع رأسه مبتسمًا ونهض معدلًا نفسه , وخرج من المقهى مرتجلا سيارته بعدما اشار بيده عاليًا , لتندلع العديد من الحرائق والانفجارات بكل انحاء الحفره , بالوقت الذي ابتعدت فيه سيارته من بين النيران , ووسط هلع الاب وابناءه وابناء حيه اللذين خرجوا على صوت الانفجارات , بالوقت ذاته , حيث تقدم سيارات الشرطه بقيادة رئيس المفوضين مارت ..
حيث يقف ادريس بالمنتصف امام المقهى هلعًا , من جهة يأتي مارت , ومن الجهه الاخرى يغادر فارتولو .
............................................
بعد منتصف الليل , حيث احدى اماكن فارتولو المعزوله , وامامه احدى ضحاياه الجديده , ليقترب من من امامه وازال الشريط اللاصق وسط خوف من امامه ليضحك فارتولو بطريقة دبت الخوف في قلب من امامه ثم قال : اهلًا بعزيزتي الطبيبه المعتوهه .
![](https://img.wattpad.com/cover/373162519-288-k83191.jpg)
أنت تقرأ
سَرْمَديّ
General Fiction"حين يخضع الناس لضغوط لا تحتمل, ولتهديدات دائمة, فإنهم مجبرون إذا أرادوا تجنب الموت على إيجاد حلول ! وهذه الحلول : الجريمة, الفن, والجنون !" (مقتبس) يتناول سرمدي وسط إطار درامي قصة الآخوين فارتولو ومارت ، الذان جمعهم القدر قبل الدم .